المعهد الدبلوماسي بين التهميش والضياع !!
السفير الدكتور موفق العجلوني
27-07-2015 02:06 PM
لا يقدر المرء الا ان يثمن عالياُ حديث الرجال الكبار أمثال دولة الدكتور عبد السلام المجالي ودولة الدكتور عدنان بدران عندما يتحدثون عن اصلاح التعليم العالي واستقلال الجامعات والمعاهد، وترفع القبعة عالياُ لفكرهم وبعد نظرهم وحكمتهم وعقلانيتهم وخاصة عندما يتعلق الامر بمهنيتهم التعليمية والعلمية المقدسة وهي مهنة التعليم الجامعي، فما بال المرء عندما تتعلق المسألة بالتعليم العالي والمعاهد ومن ضمنها المعهد الدبلوماسي الاردني، والتي تلعب الدور الاساسي في مخرجات التعليم وفي خلق كفاءات علمية وادبية ودبلوماسية وسياسية.
حقيقة من منطلق مفهوم الهندرة والتمتين والتمكين والاصلاح وخفض الانفاق الحكومي واللامركزية الادارية، ومع تفهمي لبعض القرارات التي صدرت من اجل دمج بعض المؤسسات المستقلة والتي تزيد من عجز الموازنة، وانا مع قرار الدمج، الا انني لا اتفق اطلاقاً بموضوع دمج المعهد الدبلوماسي وسحب الاستقلالية الادارية والمالية للمعهد والذي كان يوفر على خزينة الدولة لا بل يرفدها من الدخل المتحصل من ورش العمل والدورات التدريبية حيث كان في ميزانية المعهد عند سحب الاستقلالية المالية والادارية ما يقارب مليون دينار اردني، وباعتقادي مع احترامي لقرار مجلس الوزراء الموقر بسحب استقلالية المعهد وادراجه ضمن ادارة وزارة الخارجية كاحدى الدوائر كانت الشعرة التي قسمت ظهر المعهد واصبح الان يعاني من التهميش والضياع .
مع العلم انه صدر بحق المعهد الدبلوماسي ارادتان ملكيتان ساميتان، وكان المعهد منارة علمية سياسية دبلوماسية تناوب على ادارته قامات يشار لها بالبنان أمثال: معالي السيد مازن العرموطي وسمو الاميرة وجدان ومعالي الدكتور كامل ابو جابر وعطوفة السيد حسين حمامي ومعالي الدكتور محي الدين توق ومعالي السيد فاروق قصراوي ...و اخرون من ضمنهم سعادة السفير السيد عمر الرفاعي .
يبدو ان دمج المعهد الدبلوماسي اسوة بالمؤسسات الاخرى في الدولة لم يكن قرارا موفقاً اطلاقاُ، وباعتقادي ومن خلال خبرتي المتواضعة في العمل الدبلوماسي لما يزيد عن 30 عاماً والتدريس في المعهد لمدة خمس سنوات وبمعاهد عربية واجنبية، ارى ان يتم اعادة النظر في استقلالية المعهد وان يعود الى حالته السابقة من حيث الاستقلال الاداري والمالي، ولن يكلف موازنة وزارة الخارجية او الدول اية نفقات، على العكس سيدر دخلاً وفيرا لخزينة الدولة وخاصة فيما اذا قيض الله له ادارة حكيمة تتمتع بمؤهلات علمية واكاديمية وخبرات دبلوماسية، وما شاء الله لدينا في الاردن كفاءات عديدة نفتخر بها على المستوى الداخلي والعربي والدولي .
انني في الواقع قد استغربت اتخاذ قرار من مجلس الوزراء الموقر بالغاء الارادات الملكية السامية بسحب استقلالية المعهد الدبلوماسي الادارية والمالية : فقد صدرت الارداة الملكية السامية الاولى عام 1994 وتم وضع النظام الاساسي لهذا المعهد، وتم ربط المعهد باتفاقيات مع الجامعات الاردنية، يقوم المعهد بموجبها باصدار شهادة الماجستير في الدبلوماسية والعلاقات الدولية .
وفي عام 1999، صدرت الارادة الملكية السامية باعتبار المعهد احد المراكز البحثية الاكاديمية التابعة للمجلس الاعلى للعلوم والتكنولوجيا. وقد تمخض عن المعهد الدبلوماسي: المعهد الاقليمي للامن الانساني والمركز الاقليمي لمنع النزاعات، وقد وكل المعهد بتدريب الكوادر الدبلوماسية وموظفي الدولة والدوائر الاخري والهيئات الحكومية المختلفة والتركيز على برامج التدريب المناسبة والابحاث والدراسات الرافدة
للاردن، والتدريب على مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية والامنية.
الغرابة في الامر ان يقوم مجلس الوزراء الموقر بالغاء استقلالية المعهد والحاقه كاحدى الدوائر في وزارة الخارجية، وكنت اتمنى ان يحتج معالي وزير الخارجية ناصر جوده على هذا القرار، فالوزارة لها مشاغلها وليست بحاجة لاضافة عبء المعهد على اداراتها المثقلة بالملفات السياسية، مع العلم ان المعهد كان يغطي نفقاته الجارية، وعندما تم الغاء استقلالية المعهد الادارية والمالية كان هنالك وفر في الحساب الخاص للمعهد ما يقارب مليون دينار اردني كريع نتيجة الدورات التدريبية.
السؤال المطروح امام اللجنة التي اجتهدت بسحب استقلالية المعهد: الا يستحق الاردن معهداً / اكاديمية دبلوماسية تابعة للمجلس الاعلى للعلوم والتكنولوجيا يتمتع باستقلالية ادارية ومالية وان يكون له ارتباط بشكل او بأخر بوزارة الخارجية.
عندما صدرت الارادات الملكية السامية بانشاء هذا المعهد، كانت هنالك اهداف سامية وبعد نظر وخطة استراتيجية، وقد عملت الرئاسات المتتالية من اصحاب السمو والمعالي على الاخذ بالمعهد الدبلوماسي وبالتوجيهات الملكية السامية الى معارج التقدم والرقي وخاصة في مجال الابحاث والدراسات الاستراتيجية وخلق كفاءات دبلوماسية وسياسية وتدريبات عملية لتأهيل ليس فقط الدبلوماسيين الجدد ولكن لكافة الرتب الدبلوماسية بمن فيهم السفراء غير المسلكيين والملحقين الماليين والاداريين. وكان لي الشرف بأن اكون محاضرا في هذا المعهد منذ عام 2005 وتخرج على يدي نخبة من الدبلوماسيين وموظفي الدولة الذين اعتز بهم . كما تشرفت من خلال المعهد الدبلوماسي بالقاء العديد من المحاضرات في مؤسسات الامن العام والقوات المسلحة
الاردنية والجامعات الاردنية ومعاهد دبلوماسية في دول عربية شقيقة ودول صديقة .
من خلال هذا المقال، اتوجه الى دولة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور صاحب الولاية، ان يتم اعادة الاعتبار للمعهد الدبلوماسي الاردني من حيث الاستقلالية الادارية والمالية، وان يضم مجلس ادارة من النخب السياسية والاكاديمية والدبلوماسية العريقة والمعروفة كوزراء خارجية سابقين ورؤساء جامعات وسفراء مسلكيين يتم اختيارهم من قبل المجلس العالي للعلوم والتكنولوجيا.
بنفس الوقت يجب ان تكون ادارة المعهد ادارة علمية اكاديمية مؤهلة ولا مانع ان تكون دبلوماسية صاحبة خبرة اذا اجتمعت بها المؤهلات المطلوبة، لا تعينات مزاجية للتسلية او قضاء اوقات الفراغ او للتنفعة المالية.
وان تكون هنالك خطة عمل سنوية (وقد سبق لي ان قدمت لمعالي السيد جودة خطة عمل سنوية "تطوعاُ" من 1/1/2013 الى 1/1/2014) عندما كنت مديرا لدائرة اميركا اللاتينية والوسطى في وزارة الخارجية، وهذه الخطة معتمدة الان وتدرس في عدد من المعاهد الدبلوماسية العربية والاجنبية) وهي موجوده في المكتب الخاص في الوزارة والمعهد الدبلوماسي وكان من الممكن ان تجلب مئات المتدربين وتدر مئات الالاف من الدنانير على ميزانية المعهد /الوزارة / الدولة .
المعهد الدبلوماسي الاردني انشئ استنادا الى ارادتين ملكيتين ساميتين ليكون مركز دراسات وابحاث علمية متميزة وتخريج كوادر دبلوماسية عالية، وان يرفد اصحاب القرار بتوجيهات وتقارير وابحاث في القضايا التي تهم المملكة واستيعاب متدربين من الدول الشقيقة والصديقة.
الارادات الملكية السامية والتي صدرت بحق المعهد الدبلوماسي بناءً على قناعات صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله قائد مسيرتنا ورافع رأس الاردنيين وباني نهضتهم، ليس من حق مجلس الوزراء الموقر او اية جهة كانت الغاء هذه الارادات الملكية السامية والهدف الذي صدرت من اجله.