إلى جانب موجة الحر التي لم تنحسر بعد؛ تجتاح المجتمع الاردني موجة من التوتر التي قد يستمر تأثيرها لسنوات..
التوتر ليس بسبب البطالة والفقر وقلة الدخل والعنوسة وتبدل الاسعار بل بسبب نتائج التوجيهي التي اصبحت هاجساً يشغل الآباء والامهات والانسباء والاقرباء والاصدقاء على حد سواء.
فعلى طول البلاد وعرضها تستعد اكثر من ثمانين الف اسرة اردنية لتلقي صدمة العمر عندما يعلن لهم للمرة الرابعة على التوالي أن ابناءهم لم ينجحوا لهذه الدورة وكما حصل في الدورات الثلاث السابقة.
بطبيعة الحال سيتابعون اجزاء من المؤتمر الصحفي حيث تقرأ نتائج كل مبحث على حدة وتتلى نسب الناجحين في كل فرع من الفروع، ففي نسب النجاح عزاء للآباء والامهات والطلبة، فابناؤهم ضمن الاغلبية التي لم يكتب لها النجاح.
وفيه ايضا ما يساعدهم على استيعاب الصدمة وحفظ ماء الوجه فلطالما تبجحوا لسنوات بان ابناءهم لم يعيدوا صفا ولم يحملوا مبحثا وانهم الاوائل في كل المباحث باستثناء المبحث الذي يدرسه معلم حديث التخرج او الذي يقع اختصاصه خارج الموضوع الذي اسند له.
سنسمع الكثير من القصص عن الطالب الذي حصل على 90% واخفق في الفيزياء، والطالبة التي لم تفلح بسبب علامة في التربية الوطنية وغيرها من القصص التي ستكون مادة لدواويننا لبضعة ايام.
ستزداد حمولة خطوط الاتصال وقد تتعطل الشبكة العنكبوتية ولن ينجح القراصنة في اختراق موقع دائرة الامتحانات...
اجزم ان ذلك سيكون بنداً على جدول المؤتمر الصحفي الذي سيتطرق الى نجاح الوزارة في الحد من الاختراقات كما نجحت في خفض حالات الغش الذي استشرى في جسم النظام التعليمي وفي امتحانات الثانوية التي تشكل نتائجها المعيار الاهم في تصنيف مخرجات العملية التربوية ومسيرة حياة الابناء.
لن تشفع شهادات التقدير التي تلقاها الابناء من الحضانات والرياض والصفوف المدرسية وتعليقات المربين التي تشير الى تفوقهم وتهنئ الوالدين على تميزهم قبل ان يواجهوا التنين الازرق المدعو "التوجيهي".
في المؤتمر الذي سيبث على الهواء وبحضور اركان اسرة التعليم ومندوبي الصحافة المحلية سيتحلق المندوبون حول طاولة الاجتماعات للاستماع الى انجازات الوزارة في ضبط الامتحان وعبارات الشكر للذين تعاونوا من الدرك وديوان المحاسبة والاهالي ونسب النجاح في المباحث والفروع.. وسيلمس الصحفيون مستوى انخفاض مخالفات الطلبة لهذه الدورة عن سابقاتها.. وكيف ان الاجراءات حدَّت من حالات الحرمان وغيرها من التفصيلات التي سجلها الطلبة...
وسيغيب عن الصحافة المشغولة سؤال الوزير عن:
1) الاجراءات التي اتخذتها الوزارة لمعالجة الاختلالات التعليمية التي اظهرتها امتحانات الدورات السابقة؟
2)وهل افلحت الاجراءات في تحسين اداء النظام التربوي؟
3)وماذا عن المدارس التي لم ينجح منها احد في العام الماضي؟
4)هل تحسنت نسب النجاح فيها؟
5)بعد مرور اكثر من عامين على الادارة الحازمة لمعالي الوزير هل تطور التعليم ...؟
6)هل تحسن التحصيل؟
7)وكم من الوقت يلزمنا لنصلح الوضع ونستأنف المسير؟
8)وهل سنستغرق في توصيف سوء الاوضاع..؟
9)واين تنتهي مسؤولية السابقين وتبدأ مسؤولية الحاليين؟
الامهات والآباء والاخوة للكثير من الطلبة الذين لم يجتازوا الامتحان بنسخته الجديدة سيجيبون عن اسئلة الاصدقاء حول نتائج الابناء والاشقاء بان الحظ لم يحالفهم.. فالحظ سيحمل مسؤولية الاخفاق وسنلقي عليه باللوم.. آه منك يا حظ...
الايام القادمة ستضيف لهموم الاسر الاردنية ونكدها وخيباتها بندا جديدا... والشباب والصبايا سينعزلون ويتوارون عن الانظار ليوم او اكثر..
الكابوس القادم سيلف حواضرنا وبوادينا وقرانا، التوجيهي لهذا العام لن يكون مختلفا عن الاعوام السابقة فكما كانت طوارئ الامتحانات ستكون طوارئ النتائج.. الثلث الناجح من طلابنا سيشعل سماء احيائنا بالرصاص الحارق الخارق، وستنطلق مواكب سيارات الشباب والصبايا وهم يتدلون من نوافذها و يجلسون على جنبات فتحات سقوفها العلوية..
عرفات وحبيبة والسهل الاخضر وكل رفوف الحلوى ستشهد اقبالا وستحمل امهات الناجحين وآباؤهم علب الحلوى الى مكاتبهم واماكن العمل ليعلنوا نتائج ابنائهم ويشرحوا خطط دراستهم وبرامجهم المستقبلية..
عمان وسائر البلدات الاردنية على موعد مع جولة من الخيبات وشيء من الفرح واستذكار لبعض الآيات والامثال والاقوال المأثورة وحتى الاغاني.. "وحياة قلبي وافراحة ستكون على العديد من اذاعات الـ F.M".. قل لن يصيبكم الا ما كتب الله لكم.. ومن جد وجد... مش قلنالك يا ابني.. الله يسامحك لو شديت حالك شوي.. وغيرها.
غدا او بعد غد او في اي وقت يباغتكم فيه القدر ستجدون انفسكم في شراكة مع الحظ الذي قد يحالف البعض ويخذل البعض الآخر.