دور المدرسة في التربية الوطنية والمواطنة
د. فيصل الغويين
25-07-2015 01:39 PM
تعتبر المدرسة وحدة اجتماعية لها جوها الخاص الذي يساعد بدرجة كبيرة على تشكيل إحساس الطالب بالفاعلية الشخصية، وفي تحديد نظرته تجاه البناء الاجتماعي القائم، فهي تؤدي دوراً حيوياً في عملية التنشئة الثقافية والاجتماعية والسياسية، خصوصا أنها تمثل الخبرة الأولى المباشرة للطالب خارج نطاق الأسرة، وذلك من عدة زوايا؛ فهي تتولى غرس القيم والاتجاهات الاجتماعية والسياسية المقصودة من خلال المناهج والكتب الدراسية والأنشطة المختلفة التي ينخرط فيها الطلاب، وليس بصورة تلقائية كما هو الحال في الأسرة أو المؤسسات الأخرى، كما أن المدرسة تؤثر في نوع الاتجاهات والقيم السياسية التي يؤمن بها الفرد، وذلك من خلال أداء المعلم لعمله، ومن خلال التنظيمات الإدارية للمدرسة.
ويمكن القول إن دور المدرسة في التنشئة والتربية الوطنية يضعف أو يقوى من خلال:
1- نوعية المعلم: فعندما يكون المعلم متمكناً من مادته الدراسية، متعمقاً فيها، فانه يكتسب قدراً كبيراً من احترام الطلاب، وبالتالي يسهل عليه التأثير فيهم ايجابيا على المستوى المعرفي والمهاري والقيمي، إلا أّنه مما يدعو للقلق، - ومن خلال الاطلاع الميداني المباشر- أن جزءاً كبيراً من معلمينا لا يمتلكون الكفايات المعرفية في تخصصاتهم، وهي مسالة من أخطر التحديات التي تواجه نظامنا التربوي، ويجب وضعها على سلم الأولويات في أي مشروع وطني للإصلاح التربوي.
2- العلاقة بين المعلم والطالب: تختلف العلاقة في الصف بين المعلم والطالب من معلم إلى آخر، ومن بيئة مدرسية إلى أخرى، فقد تكون العلاقة ذات طبيعة سلطوية لا تسمح للطالب أن يناقش الآراء والأفكار التي يطرحها المعلم، وقد يتجاوز ذلك إلى استخدام أساليب الاستبداد والقهر المادي والمعنوي، أو يكون المعلم ذا طبيعة ديمقراطية يتعامل مع الطلاب بنوع من الحرية لتركهم يعبرون عن آرائهم وأفكارهم من خلال نقاش مفيد، مما يساعد على نمو شخصياتهم، وتنمية الحوار الذي يقود إلى المرونة الفكرية، والتدريب على قبول الاختلاف في الآراء. ولهذا الأسلوب أو ذاك تأثيره المؤكد على اتجاهات الطلاب سواء بالسلب أو الإيجاب.
3- إن تفشي الكثير من مظاهر العنف في مدارسنا يمكن إرجاع الكثير منه إلى عدم توفر بيئة تعليمية جاذبة، وغياب الأنشطة، والحوار المنظم مع الطلبة، وإشراكهم في صنع القرار المدرسي، مما يعزز شعورهم بالمسؤولية، وينمي لديهم اتجاهات ايجابية للمدرسة وكوادرها.
4- مجلس الطلبة والبرلمان الطلابي: تعد هذه الأطر بمثابة تدريب للطلبة، ولتنمية الإحساس لديهم بالاقتدار الذاتي، والانتماء الاجتماعي، والمساهمة في تسيير شؤون المدرسة، مما يسمح بانسياب الآراء والأفكار والمبادرات في معظم الاتجاهات، فمساهمة الطلاب لمسؤولية تعليم أنفسهم، وحل الخلافات والمشكلات التي تواجههم سوف تجعلهم يتعلمون كيف يعملون بمسؤولية في مجتمعاتهم.
وفي ظل نظام مدرسي يعتمد على الحفظ والترديد، ويعد نتائج الامتحانات المؤشر الوحيد لتقييم وتقويم الطلاب، تبرز النزعات الفردية، وتتفشى ظاهرة الغش والمنافسة السلبية، بينما تقل مثل هذه النزعات في نظام تعلم يقوم على القراءة والاطلاع الحر ، ويغرس قيم الحوار والابتكار والجماعية والتعاون.
5- تبلغ المدرسة أقصى درجات الفاعلية في التربية الوطنية، إذا كان هناك تطابق بين مناهجها النظرية وبرامجها التطبيقية، ولكن حينما يوجد تناقض يصبح تأثير المدرسة في هذا المجال ضعيفاً. ومثال ذلك أن تتضمن مقررات التربية الوطنية والتاريخ قيماً مثل الكرامة الإنسانية، والمساواة بين البشر، بينما تنطوي معاملة الكثير من المعلمين للطلاب على كل شيء عدا الكرامة والمساواة.
6- استراتيجيات التدريس: هناك خمسة مجالات يمكن تدريس التربية الوطنية من خلالها:
• فمن اجل نقل التراث أو ثقافات الجيل الأول للجيل الذي يليه، فان التربية الوطنية تهدف إلى نقل المعارف والمعلومات والقيم كإطار أو هيكل لاتخاذ القرارات.
• الاهتمام بتعليم مفاهيم وتعميمات العلوم الاجتماعية لبناء قاعدة معلومات.
• من اجل التفكير التأملي والبحث والاستقصاء، تسعى التربية الوطنية إلى استخدام عمليات التفكير والحصول على المعارف والمعلومات التي يحتاج المواطن إلى معرفتها لاتخاذ القرارات وحل المشكلات التي تواجهه.
• من اجل النقد الاجتماعي فان التربية الوطنية تسعى إلى تنمية قدرة الطالب لاختبار ونقد التراث السابق أو التقليدي، والوضع الاجتماعي القائم من خلال استخدام طريقة حل المشكلات.
• من اجل نمو الشخصية، فان التربية الوطنية تهتم بتطوير ونمو المفهوم الذاتي الايجابي، وتطوير شخصية الطالب بفاعلية وإحساس قوي. من خلال إشاعة ثقافة الحوار، وتنمية الإبداع، وتكثيف الأنشطة.
إن التعليم الذي يركز على حقائق منعزلة أو جامدة، فانه غالباً ما يكون غير مفيد، بل انه مضر على تحصيل الطلبة وتنمية قدراتهم الفكرية، ومن هنا ضرورة ربط ما يتعلمه الطلبة عن المواطنة في مدارسهم بمجتمعهم الذي يعيشون فيه، حيث تعد عملية ربط منهج التربية الوطنية بواقع الطلاب وحياتهم من العناصر المهمة في تطوير ثقافة المواطنة وتحقيق أهدافها، وحتى يتم تحقيق ذلك فلا بد من ممارسة الطلبة للأنشطة والخبرات في مجتمعهم وبيئتهم بشكل مباشر. بهدف غرس الاتجاهات والقيم المشتركة، مثل مبدأ المسؤولية، والتسامح، والعدالة الاجتماعية، واحترام القانون، والحرية المسؤولة، وتقديم الانتماء الوطني على أي انتماء عائلي أو جهوي أو طائفي، أو سياسي.
إن التربية الوطنية والمواطنية الحقة تجعل المواطن مسؤولا تمام المسؤولية، سواء أكان في صفوف الحاكمين أو في صفوف المحكومين، ومشاركاً تمام المشاركة بحسب موقعه في بناء نظام الحقوق والواجبات المتبادلة بين الدولة ومواطنيها.
• مشرف تربوي/ مديرية ماركا/ عضو رابطة الكتاب الأردنيين