العمل الآن على إنجاح المشاريع الوطنية على مستوى الأقطار العربية ضرورة قصوى، وأولوية أولى لا يسوغ تجاوزها أو الافتئات عليها، تحت أي مبرر وتحت أي ستار فكري أو انتماء أيدولوجي، بحيث يكون لكل قطر عربي مشروعه الوطني الواضح المعلن؛ الذي يجمع كل مواطنيه وفقاً لقواعد التشاركية والتفاعل بين مكوناته الاجتماعية بلا استثناء، وبعيداً عن منطق الاستفراد بالسلطة، والاستحواذ على المقدرات الوطنية.
الهوية الوطنية لكل قطر عربي هي هوية الدولة الجامعة، وهي هوية واحدة موّحدة، و محل فخر واعتزاز وانتماء كل المواطنين، بغض النظر عن أصولهم البعيدة والقريبة، وانتماءاتهم الدينية والمذهبية والمكانية، ولن يستطيع أي قطر الانطلاق في مشروعه النهضوي العام دون إنجاز الهوية الوطنية الجامعة، التي تحظى بالإجماع الوطني.
تنازع الهويات داخل القطر الواحد أمر خطير جداً، ويمثل عاملاً من عوامل الانقسام السياسي والاجتماعي، ويشكل قنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع واستقراره، وتشكل متكأً للمؤامرات الخارجية والداخلية، ومدخلاً للغزو والتدخلات السياسية الإقليمية والعالمية، ومرتعاً خصباً لأصحاب النفوس المريضة والأجندات التخريبية.
الدولة الواحدة لها هوية وطنية واحدة جامعة، ولكن لا مناص من الاعتراف بهويات فرعية وجزئية لا تناقض الهوية الوطنية الجامعة، ولا تتقدم ولا تعلو عليها، والاعتراف بها يكون من باب التعددية في إطار الوحدة، وعندما يحدث التعارض بين الهوية الجامعة والهويات الفرعية والجزئية لا بد من معالجته على الفور؛ بطريقة تشاركية توافقية، تقوم على مبدأ تقديم المصلحة العامة، وتقديم المصلحة الوطنية الكبرى على المصلحة الحزبية والفئوية والجهوية الضيقة.
عندما نقول الهوية الوطنية الأردنية، فنقصد بها هوية الدولة الأردنية بحدودها وأرضها المعروفة، وهي تمثل شعبها بجميع مكوناته الاجتماعية بلا استثناء، وهي هوية جامعة تذوب فيها كل الهويات الفرعية والجزئية المتعددة، وكلهم منخرطون في بناء دولتهم الأردنية المدنية الحديثة، والدولة النموذج وفق طموحات الأردنيين جميعاً.
الهوية الأردنية ليست خاصة بمكون دون مكون، ولا تخص أصلاً وفصلاً معينا وجهة محددة، بل المطلوب أن تشكل مظلة عليا لكل المواطنين : المسلمين والمسيحيين، والبدو والفلاحين، وأهل الأرياف والمدن، الرجال والنساء، والصغار والكبار، في إطار العدالة والمساواة أمام القانون والدستور.
الهوية الأردنية ليست نقيضاً للدين، ولا تعارض الانتماء القومي والعروبي، كما أنها ليست نقيضاً للهوية الفلسطينية على وجه التحديد التي يجب إبرازها في وجه الاحتلال اليهودي الصهيوني الاستيطاني الذي يقوم على إلغاء الآخر ونفي الاعتراف بوجوده وحقه في الحياة وتقرير المصير.
الهوية الأردنية الجامعة تقتضي أن تكون عاملاً من عوامل الوحدة السياسية والوحدة الاجتماعية على صعيد الدولة الأردنية، وتشكل أرضية وقاعدة ثابتة وصلبة للمشروع الوطني، ولا يعني ذلك تفويت حقوق مكونات الشعب الأردني الأصلية، بل إن الدولة مكلفة بحفظها واستعادتها بطريقة جماعية مشتركة مهما طال الزمن.
المشروع الوطني الأردني جزء من المشروع النهضوي العربي الإسلامي الكبير، الذي يؤمل أن يشكل إطاراً جامعاً لكل العرب ولكل المسلمين في جميع أقطارهم، عبر أي صيغة وحدوية تكاملية؛ ترضاها الشعوب وتوافق عليها بلا قهر ولا إكراه، بما يحقق مصلحتها العامة المشتركة ويحقق آمالهم وطموحاتهم في الحياة الحرة الكريمة، دون إلغاء للخصوصيات المتعددة، والانتماءات الثقافية المنبثقة من الهوية العامة والحياة المشتركة والمستفبل والمصير الواحد.
الدستور