لا غرابة أن يقاوم مشروع قانون اللامركزية من عشاق المركزية , لكن المستغرب هو أن يقاومه نواب يرفعون لواء الديمقراطية ويرغبون في الوقت ذاته الحفاظ على نفوذهم في قواعدهم الانتخابية وهو ما حدث عندما طرح المشروع أول مرة في عام 2005.
بمجرد إقراره سيكون قانون اللامركزية جاهزا للتطبيق خلال ستة أشهر جنبا الى جنب مع قانون جديد للبلديات.
لا يخفي نواب ورؤساء بلديات مخاوفهم من المشروع الذي يحمل في طياته أدوارا جديدة للاعبين جدد سيؤدي ذلك الى تراجع الأدوار المختلطة بين الخدمي والسياسي والاقتصادي.
بعيدا عن نقاط الخلاف , فللامركزية مزايا ولها عيوب والتجربة هي الحكم , بيد أنها في نهاية المطاف تحمل إجابة عن سؤال التنمية وتوزيع مكاسبها وهي شعارات رأيناها في الحراك وحملتها الأصوات المتسربة من غرف النقاشات المغلقة ولم تتردد المنابر عن طرحه في كل مرة يجري الحديث فيه عن التهميش.
اللامركزية كما افهمها هي اشتراك الشعب في اتخاذ القرارات وإدارة المرافق العامة المحلية, توزيع الوظيفة الإدارية بين الإدارة المركزية والهيئات المحلية بما يخفف العبء عن الإدارة المركزية ويمنحها فرصة التفرغ لرسم السياسة العامة وإدارة المرافق القومية.
دعك من التعريفات التي حملها القانون وخلي عنك المفردات المتنوعة التي قذفت بها الكتب والدراسات, فاذا كانت المجالس المحلية في المحافظات هي التي ستحدد خططها التنموية وحاجاتها وتضع موازناتها وتقترح مشاريعها وخططها والإستثمارات التي تحتاجها فلم لا.
حسنا , سأصيغ فهمي للامركزية بتساؤلات هي على ما أعتقد أنها ما يفترض أن تحققها اللامركزية وما القانون الا
خطوة على طريق الألف ميل.
-هل سيكون لكل محافظة جامعاتها ومستشفياتها وبنوكها ومصانعها الخاصة بها ووفقا لرؤيتها وإحتياجاتها ؟
- هل سيكون لكل محافظة شرطتها المحلية ؟
- هل سيكون لكل محافظة نظامها الاستثماري الخاص بها ومزاياه وحوافزه بما في ذلك أنظمتها الضريبية الخاصة التي تلائم اقتصادياتها ؟.
- هل سيكون لكل محافظة مؤشراتها الخاصة , نمو وبطالة وتضخم وإنتاج ؟.
هي مغامرة بلا شك لكنها لن تكون كذلك لأن المجالس المحلية التي يفترض أنها ستتحمل مسؤولية القرار وتباعاته ستتحمل كذلك كلفة المغامرة.
ما يهمني في نظام اللامركزية هو القدرة على مواجهة الأزمات وليس فقط الخروج منها بل المبادرة الى الابتكار لإحداث التنمية والنهوض الاقتصادي وبدلا من أن تواجه العاصمة بمفهومها المركزي ضغوط المطالب والإحتجاجات ستكون المجالس الشعبية المنتخبة في الواجهة ألم يكن ذلك مطلبا لأبناء المحافظات على قاعدة أهل مكة أدرى بشعابها.
الانتقادات الموجهة الى المشروع مبالغ فيها خصوصا عند الحديث عن تفكيك الدولة المركزية على طريقة تفكيك المؤسسات وهي النغمة التي مللنا تكرار سماعها كلما لمعت في الأجواء فكرة اقتصادية خلاقة , ومع ذلك فإن كل المحاذير التي سيقت يمكن علاجها بالرقابة التي تمارسها السلطة المركزية على الهيئات اللامركزية وبالشفافية التي على هذه الهيئات تحريها.
الراي