متى يصل "النواب" لخطاب موضوعي؟
12-05-2008 03:00 AM
تشكل الجلسة غير الرسمية بين الحكومة ومجلس النواب الأسبوع الماضي بكل ما دار فيها من سجال وتسجيل مواقف قوية حيال بيع أراضي المدينة الطبية والقيادة العامة مناسبة لإعادة قراءة المشهد بصورة هادئة بعد ان كان الانفعال سيد الموقف.
والانفعال بطبيعة الحال لم ينتج واقعا جديدا حيال البيع، بقدر تشكيله لحظة كاشفة لأمزجة نيابية لا يعرف بعد إذا ما كانت حالة مستمرة أم أنها سحابة صيف عابرة ولا تعني بحال من الأحوال ان لغة المجلس ومنطقه التشريعي والرقابي تغير إلى التشدد في المواقف.
وبما أن مقالا واحدا لا يمكن ان يفي القراءة للمشهد حقها، غير ان ملاحظات ثلاث تستدعي التوقف والبحث، الأولى: ان الذين رفضوا منطق البيع تحت مسميات مختلفة من بينها رمزية المكان لم يقدموا بدل موضوعي يعالج المشاكل الاقتصادية.
بمعنى ان الخطاب النيابي في هذا الشق كان عاطفيا وكفى، فلا هو الذي ذهب في معارضته البيع حد الإطاحة بالحكومة كنتيجة ، ولا هو الذي أكمل معارضته بطرح بدائل ممكنة التنفيذ لاستعاضة عن البيع.
الملاحظة الثانية: ان الحكومة، بكل أسف، لم تستطع تسويق فكرتها جيدا، وكان يمكن لها ان تقول منذ البداية الحقيقة كاملة، لا ان تترك الشائعات تحدث تعبئة للشارع تنعكس بشكل لافت في مزاج النواب، ولا شك عندي ان التناقض في تصريحات المسؤولين كان سبب مهم في غضبة النواب والشارع من قبلهم.
والحكومة باعتبارها صاحبة الولاية فلها الحق الدستوري في التصرف مثلما منح الدستور النواب حق المراقبة والمحاسبة، وطالما ان الدستور رسم الحدود وحدد الصلاحيات فالأصل ان يكون سياق العلاقة بين الحكومة والنواب واضح في القضية محل المشكلة.
لكن على ما يبدو ان عدم حسم الحكومة لموقفها جعلها تنفي البيع كواقع أو نية، وهي بذلك أضعفت موقفها الذي كان يمكن ان يسند بحجة اقتصادية قوية تضع الأمور في نصابها وتمنع المزايدة عليها.
الملاحظة الأخيرة: ان المؤشر العام لمناقشات العديد من النواب لم تحركها عملية البيع لأراض المدينة الطبية أو القيادة العامة، بقدر ما كان البيع مناسبة للهجوم على فريق منه من هم في الحكومة ومنه من هم خارجها .
بمعنى ان الهجوم له شقين، الأول: ينطلق عند نواب من قناعات ومواقف ثابتة ترفض النهج الاقتصادي ، والأصل ان لهؤلاء الحق في ان يعارضوا نهجا اقتصاديا لا يتماهون معه كثيرا، كالإسلاميين مثلا، والشق الثاني: فئة نيابية تشعر ان نجاح هذا الفريق يعني نهاية وجودهم السياسي باعتبارهم ينهجون سياقا مختلفا (بيروقراطي) يبدو ان الأردن تجاوز الكثير من تفاصيله منذ سنوات.
بالمحصلة، فان منطق الأشياء انه عندما يكون لأي منا موقف من نهج اقتصادي معين، فالمطلوب منا محاكمة هذا النهج من حيث أين فشل وأخفق وأين نجح وأنجز ، نحاكم بموضوعية دون مواقف مسبقة، وإلا فان توجيه سهام النقد هكذا جزافا وبلا حقائق لا يمكن وصفه إلا المشاغبة.
وكذلك، طالما نحن نبحث عن الاستثمار ونسعى إليه في كل مكان، ونقدم التسهيلات وربما التنازلات لجلبه، فلا يجب ان نضع العصا في الدواليب، فأرض المدنية الطبية والقيادة العامة ليست حقيبة يضعها المستثمر أي مستثمر على أول طائرة ويرحل بها، هي بالنهاية أرض أردنية باقية بقاء الحياة وتحت السيادة الأردنية.
في النهاية، وانا سعيد بهذا السقف المرتفع للخطاب النيابي، لكني أريده خطابا موضوعيا علميا ينتج طحينا لا جعجعة فقط، وأرى الخطاب الذي أتمناه ضرورة في مفاصل كثيرة،غير اني هذا المرة أراه خطاب غير موفق على الأقل نسبيا، وكنت أتمنى، كما أي أردني، ان اسمعه عندما بيعت الكثير من الشركات بأثمان .