ضمير مستتر تقديره مواطن …
12-05-2008 03:00 AM
لم أقصد الوصف ولكنني أردت التنويه عما يجول في خاطري لأني أراني أعيش بليل اسود أمست السماء فيه تمطر وتنزل الدموع في فصل الصيف ؛ بعد أن أصبح تحتها الكلام يمنع من الصرف ؛ وغدا شيخنا الكبير يعبد الله على حرف ؛ فبكيت متألما ومستجدياً عطفا ولكني وجدت أن أول من أبى هي (واو) العطف ؛ وارتد صوتي جريحا منفعلا بعدما علا غبار الخوف على أسياف ضمائر قد وضعت على الرف ، وبات الصوت ينادي وكأنه يخاطب أصحاب الكهف.
في يوم من الأيام ؛ وبينما كنت على مقعدي في غرفة الصف ، أتى أستاذ اللغة العربية مستهماً كعادته يشرح درساً في القواعد ، فأخذ يُسكت التلاميذ وكأنه يريد أن يأتي بدرس جديد في عالم الأحاجي والألغاز ، فكتب لنا جملة للإعراب ؛ تتحدث عن رجل اشتعل جيبه بالإفلاس وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، فأخذتُ أقرأ وإذا به قد كتب : (سيجوع ويعرى ويحلم برغيف الخبز وبالكِسرة) ، تسارعت مع التلاميذ للإجابة على ذلك السؤال ؛ فالكل منا كان رافعاً يده ليكون سباقاً في الإجابة ؛ حتى اختارني من بينهم ، فقلت : "إنها جملة تكوّّّن معظمها من جار ومجرور ؛ بعد أفعال مضارعة مريرة ومليئة بأحكام تعسفية سبقها تسويف قريب" ، فهز رأسه معلنا القبول مندهشاً دهشة الفاقد لما سمع ؛ فشكرني وأثنى علي وطلب مني إكمال الجملة بإيجاد الفاعل الذي استتر فيها ، أخذت أفكر محاولاً الإجابة قبل أن يحظى بها أحد من زملائي التلاميذ وقبل أن ينتهي وقت الدرس ، ولكن دون جدوى. وهكذا حتى انتهى ذلك اليوم الدراسي دون أن نعرف من هو الفاعل المستتر.
ذهب كل منا إلى بيته بعد أن انتهى ذلك اليوم الدراسي ، فأخذت أسير في طريقي وأنا منهمك في التفكير ؛ فأخذ اليأس يغمرني ويعبث بكياني ويتراقص أمامي كالشيطان ، فما زلت أتذكر عيون التلاميذ التي كانت تستجديني الأمل من خلال كلماتي وحروفي في الإجابة ، حتى وصلت بيتي دون أن اعثر على جواب ، وظللت مهموما طوال الليل سائلا هذا وذاك عن الذي سيجوع ويعرى وعن الذي سيحلم بالرغيف وبالكِسرة دون أن أجد جواباً.
استيقظت من نومي في صباح اليوم التالي مستاءً ويائساً لعدم مقدرتي على إيجاد ذلك الفاعل المستتر ؛ فأخذت ارتدي ملابسي للذهاب إلى المدرسة ؛ حملت كتبي ومشيت في طريقي وإذا بمنظر أدهشني ؛ فقد كان الأستاذ يقف مع حشد من الفلاحين أمام دكان صغير يقرأ إعلانا جميل الحروف يحيي ارتفاع الخبز رغم الأنوف ؛ فكان بائساً حزيناً ينادي على أطفاله ليلقنهم درساً بضيق الظروف ، ويقول لهم : (إننا لسنا اليوم بحال الضيوف ، بعد أن أضفى نائبنا على الموت سكرا وأيد رفع الخبز باسم الألوف).
عندها توسعت مداركي في تلك اللحظات ؛ وعرفت الفاعل المستتر بتلك الجملة ؛ فكان فاعلا فُُعلت به الأفاعيل وغنى الشقاء به المواويل ، واستؤصلت منه المشاعر بعد أن أشعلوا من تحته المشاعل ، حتى أمسى فاعلا في أجمل وأغلى المَواطن (ضميرا مستترا تقديره مواطن!!!!). wmaabreh@yahoo.com