عاد العيد بما لم يخطر ببال أبي الطيب الذي اصبح أبا لكل الموتى بعد ان استبيح كل شيء في تلك العاصمة العباسية التي قيل ذات يوم ان المحظوظ هو من تشبّه بها وتبغدد.
كعك معجون بالتمر والدمّ وما تبقى من حليب تحوّل الى نجيع كما كان يقول اسلافنا، واشلاء يتعذّر فرز اصحابها، هكذا احتفل اهل العراق بالعيد، وكأن قدرهم منذ هبط هولاكو الانجلوساكسوني من الطائرة الى ارضهم ان تكون ضحايا اعيادهم من بشر، ولأن الاعياد تكررت بكل مظاهر المآتم فإن عدوى هذا الدمار تسللت من العراق الى اشقائه وذوي قرباه ومنهم اللدود والودود.
ولو جمعنا عدد من سال دمهم في هذا العيد وكل عيد لتجاوز ما قتله الاعداء منّا طيلة قرن، فهل هي مالتوسية جديدة، يكون تحديد النسل فيها بعد ان فشلت كل المحاولات بالقتل الذاتي او ما يمكن تسميته بلا تردد الانتحار الوطني؟
لم يعد هناك فارق بين الاعياد والمآتم في واقع عربي تشبّع حتى النّخاع بالكراهية، فالاعداء التاريخيون تم استبدالهم وكذلك قائمة الاولويات القومية التي حذف منها كل ما هو وطني لصالح هويات محتقنة ومتصارعة، وتتغذى كالاعشاب السّامة على جذور الهوية الأم.
ويبدو ان العرب لم يعودوا يختلفون على ايام اعيادهم، بل يختلفون حول عدد قتلاهم ولاجئيهم ومشرديهم الذي اصبح عددهم مرشحا لاعلان امبراطورية وليس جمهورية فقط.
وبالرغم من ذلك كله لا يزال العرب يتبادلون التهاني رغم ان تضاريسهم مبللة بالدم، ومرسومة في الاطالس الجديدة باللون الاحمر فقط.
لم يعد سؤال ابي الطيب مبررا في ايامنا، فكل شيء يعود بأسوأ مما كان، وليس الاعياد وحدها، لأن التقاويم القومية مقلوبة وعقارب ساعة الرشيد تدور الى الوراء بانتظام.
ان أبشع المجازر وأفظعها ليس ما نراه على شاشات يرشح منها الدم والدمع على مدار الساعة بل هي مجزرة الوعي التي جعلت الضحايا تجهز على ما تبقى منها على قيد العافية الوطنية!
الدستور