هوية الدولة .. ودلالات الاسـمبلال حسن التل
22-07-2015 03:36 AM
قلنا في المقال السابق إن ترسيخ وجود دولة القانون في مجتمعنا من أول أولويات جماعة عمان لحوارات المستقبل، وهذا يقودنا للتحدث عن هوية الدولة لنقول إنها ذات مضامين متعددة، أولها المضمون التاريخي، لذلك لم يأت اختيار اسم «جماعة عمان لحوارات المستقبل» هكذا عفو الخاطر، بل انطلاقًا من وعي حضاري نريد للجماعة أن تجسده في مجتمعنا من خلال تحريك الإحساس بالتاريخ في نفوس أبناء هذا المجتمع «أفرادًا وجماعةً»، فعلاوةً على أن عمان هي عاصمة الدولة الأردنية الحديثة بكل ما تمثله العواصم من معاني السيادة والاستقلال والانصهار الوطني، الذي يجتمع في بوتقته كل ابناء الوطن، فإن عمان مدينة تختزن في ذاكرتها آلاف السنين من الفعل الحضاري الذي ساهمت في بنائه الحضارات التي تعاقبت على عمان أو «ربة عمون» أو «فيلادلفيا» وكلها أسماء تدل على أي مدينة عظيمة نابضة بالحياة كانت عمان، والتي مازالت أجزاء كبيرة من آثارها المادية بادية للعين المجردة، سواءً في مدرجها الشامخ في وسطها، أو قلعتها المشرفة على كل جبالها ووديانها تذكر أبناءها بالتاريخ الذي ينتمون إليه، ومن أي آباء يتحدرون، هذا عدا عن أضعاف أضعاف ذلك من إرث التاريخ وآثاره التي ما زالت أحشاء عمان تحتفظ بها كما تحتفظ الأم الحنون بجنينها في انتظار لحظة ولادته وخروجه إلى الحياة ليكمل مسيرة آبائه وليعلم أبناءه أي تاريخ صنعه الآباء والأجداد، وصار عليهم أن يواصلوا البناء عليه، مستذكرين بأن على أرضهم وقعت تحولات كبرى في تاريخ البشرية، بعضها قادها انبياء عِظام عاشوا على أرض الأردن، وبعضها قادها رجال وعلماء أفذاذ تحدروا من أصلاب الأردنيين، وهذا تاريخ يقع على عاتق جماعة عمان إعادة بناء الوعي به لدى أبناء مجتمعنا، ليعتزوا بتاريخهم وليبنوا عليه، بعد أن يمحصوه ليستفيدوا من دروسه، فيتجنبوا مواطن الخلل وأسباب العثرات، ويأخذوا بأسباب النجاح وسبل البناء، فيعظموها ليعودوا إلى ممارسة فعلهم الحضاري استنادًا إلى تاريخ حافل ووعي متوثب. وانطلاقًا من الإيمان بأن للتاريخ دورات تصنعها حركة التدافع الحضاري، التي لخصها القران الكريم بقوله تعالى (ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع ومساجد وبيع يذكر فيها اسم الله)(الحج:40) وبقوله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس)(آل عمران:140) وغيرها من الآيات التي تدل على أن للتاريخ دوراته، وأن البناء الحضاري يقوم على التعددية وحرية الإعتقاد وإعمال العقل، وقبل ذلك كله الأخذ بالأسباب، وهي شروط تتوفر في بنية عمان السُّكانية والاجتماعية والحضارية، ولذلك فإنها تجسد مضمون آخر من مضامين هوية الدولة والمجتمع الأردني، فعمان الحديثة التي نعيش فيها تمثل كل سكان الوطن الأردني، باديته وريفه وحضره، مدينته وقريته ومخيمه، عربه وشركسه وشيشانه، مسلمه ومسيحيه، قومية ويسارية وليبرالية، وكلهم يتفاعلون في بوتقة وطنية متماسكة بالرغم من كل ما يبدو على السطح أحيانًا من مظاهر الوهن والتباين، لكنهم عند الشدة يكونون صفًا واحدًا وكلمةً واحدةً وعلمًا واحدًا، أردنيين حتى النخاع، عربًا حتى الثمالة، مسلمي الثقافة حتى أصغر مسامة فيهم، ولعل واقعة استشهاد الطيار معاذ الكساسبة خير مثالٍ على ما نقول، وهو مثال على جماعة عمان أن تسعى إلى جعله حالةً دائمةً في الانصهار الوطني للأردنيين، مع احتفاظهم بتنوعهم وتعددهم، لأن هذا التنوع والتعدد من أسباب القوة والنجاح القائم على الحرية التي هي شرط الإبداع الذي يؤدي إلى الفعل الحضاري، الذي يجعل من بلدنا شريكا فاعلاً في البناء الحضاري على المستوى الإنساني.
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة