العرب بين السلبية والايجابية
شحاده أبو بقر
20-07-2015 05:44 AM
لا اجمل من أن يكون الانسان ايجابيا، ولا اقبح في المقابل من ان يكون سلبيا، والفارق بين الحالتين كبير جدا وله بالضرورة اثاره العميقة على النفس اولا، ثم على البيئة المحيطة تاليا، فالايجابية تعني علميا، التفاؤل بالمستقبل مهما كان الواقع المعاش صعبا، والتفاؤل مفتاح للفرج، وهو كذلك تعبير صارخ عن القناعة الناجمة عن ايمان صادق بالله الواحد الاحد، والسلبية في المقابل هروب من مواجهة الواقع، وهي كذلك تعبير صارخ عن ضيق في النفس وبعد عن الايمان او ضعف فيه.
اردنيا وكثير عربيا، نواجه مشكلات لا بل ومعضلات شتى، ويتهاوى المزاج العام للناس بطريقة دراماتيكية متسارعة، والسبب المباشر او جذر المعضلة هو الفقر والظلم وصعوبة تدبر متطلبات العيش للغالبية من شعوبنا، ولذلك اسبابه المتعددة التي لا مجال لذكرها، وهنا تتجلى السلبية في التعامل مع الظرف على قسوته، فنحن جميعا شاكون متذمرون، ونحن جميعا حتى ونحن نطالب بالاصلاح ومواجهة الازمات، نمارس ذلك باساليب سلبية بامتياز، قوامها عنف اللفظ ولعن الظلام وتوجيه الاتهام وحتى الشتيمة والسباب وحتى ممارسة الارهاب.
في بلاد غير بلادنا العربية، يواجه الناس اقدارهم لو صح القول، باساليب ايجابية متطورة، وحتى وهم يطالبون بكبح جماح الفساد وبالاصلاح مثلا، يفعلون ذلك بلا عنف في اللفظ او العمل، وهم بذلك يطبقون تعاليم ديننا التي تبين اثر الكلمة الطيبة والكلمة السيئة في المقابل، فالاولى كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين، والثانية كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار.
فرق هائل بين من يطالب حكومة بالاصلاح ولكن بايجابية مطلقه، وبين من يدعوها الى ذلك بسلبية مطلقه، ففي الحالة الاولى يسهل المبتغى، وفي الثانية يغدو اكثر مشقة وصعوبة، وبخاصة عندما تتفوق السلبية على نقيضتها في شخوص تلك الحكومة، تماما كما حال المطالبين او الداعين.
صحيح ان اصلاح وتحسين المزاج العام للناس تقع مسؤوليته على عاتق صناع القرار ومنفذيه، الا ان الواقع النفسي لهؤلاء الناس وتبايناته بين جذر الايجابية والسلبيه، عامل حاسم في تصعيب المهمة او تهوينها، وبين هؤلاء وهؤلاء واعني صناع القرار والمستهدفين فيه، يبرز شرط اساسي لا بد وان يكون ملازما لصناع القرار بالذات، وهو الابداع الانساني، فمن امتلك ناصيته كان قادرا على تطويع المزاج العام كما يتمنى، ومن افتقر لهذه الخاصية صعبت عليه المهمة وعانى كثيرا من اجلها.
باختصار، صناع القرار في سائر مؤسسات الدول والمجتمعات مهما كان حجمها، لا بد وان يلازم ابداع الكلمة والراي والموقف والقرار شخوصهم، والا فهم ومواطنوهم غير محظيين، ومعاناتهم واحدة ومشتركة في اللحظة ذاتها، فهم جميعا يتمنون حياة افضل، ولكن المنتج غير ذلك، ومن هنا تعارفت المجتمعات المتطوره، على منهجية الاحزاب الحقيقية لا الصوريه، كخزان منتج للقيادات الكفؤة المبدعة لتولي المواقع العامة على اختلاف مراتبها، ولذلك انحسرت معاناتها واحرزت التقدم الذي تريد، اما تلك التي ما زالت الواسطة والمحسوبية والامزجة الشخصية تحكم نهجها على هذا الصعيد، فقد استفحلت معاناتها وتحجر المزاج العام لاهلها شعوبا وحكومات على حد سواء، وساد حياتها الهرج والمرج والنفاق والشحناء والتنافس غير المحمود، وذلك ولسوء الحظ، هو حالنا نحن العرب وفي كل اقطارنا بلا استثناء، ولا حول ولا قوة الا بالله وهو سبحانه من وراء القصد.