انترنت الفضاء مشروع سيوفر خدمة الانترنت المجانية قريبا بأي نقطة في العالم، ويعمل هذا النظام بواسطة مئات الأقمار الصناعية التي تأخذ المعلومات من الأرض وتنقلها إلى الفضاء، ثم تبثها إلى الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر.
هناك محاولات عديدة لتحقيق الانترنت المجاني قامت بها شركات مثل جوجل وغيرها، ولكن شركة أمريكية غير ربحية أطلقت شعارا مهما ملخصه: إن المعلومات من حق الجميع بدون قيود أو رقابة من أي جهة كانت، ويعدّ حجبها تعديا على حقوق الإنسان لا سيما أن 60 بالمئة من سكان العالم ما زالوا غير قادرين على الإفادة من تغطية الانترنت بسبب الفقر، أو السكن في مناطق نائية.
فكرة إيصال الشبكة العنكبوتية المجانية للجميع يمكن أن يكون هدفها أكاديمي علمي إنساني؛ غايتها إفادة جميع سكان الأرض بخدمة الانترنت، لكن يمكن أن تكون أيضا نظاما تجسسيا بامتياز طالما أن لا رقابة عليها، ولا يمكن معها حجب أي موقع من المواقع، وبالتالي يمكن في ظلها أن تنتهك خصوصية الدول والأفراد بصورة كبيرة.
يتوقع أن ينضم إلى مجتمع الانترنت المجاني فئات جديدة من المجتمعات البسيطة، وذات الثقافة المتدنية، والمنغلقة، والفقيرة في زمن لا يستطيع الأهل فرض أي رقابة على أبنائهم طالما أن النت بين أيدي الأطفال والمراهقين وغيرهما بواسطة الهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة المتوافرة بيسر .
فماذا فعلنا نحن العرب لمواجهة هذا القادم، وهناك دول ما زالت تحجب كثيرا من المواقع عن مواطنيها، وماذا سيفعل المواطن الذي ما زال يطلب من الحكومات حجب مواقع بعينها حفاظا على أسرته وقيمه؟ وأين نحن من أعدائنا والمتربصين بنا؟ ومن دعاة التطرف، والهاجمين علينا في عقر دارنا، ومخادع أبنائنا يغرونهم بأشياء كثيرة في سبيل تجنيدهم أو انحرافهم، أوتعاطيهم للمخدرات وغيرها من السموم...؟! بل أين نحن من هذا الغزو الثقافي الهاجم علينا وعلى أسرنا في ظل الظروف العربية السائدة، لا سيما أن كثيرا من الناس ما زالوا غير قادرين على استيعاب ما كان من غزو الانترنت غير المجاني الذي مزق كثيرا من الأسر، ووسع الفجوة بين الآباء والأبناء، وما زال يفعل.
علينا أن نواجه الواقع، ونعرف أنه لا حجب بعد اليوم، وأن لا خصوصية للدول كما لا خصوصية للفرد، وبالتالي علينا تحصين أبنائنا منذ الطفولة المبكرة من كل السلبيات الممكنة، وأشكال المضايقات والمغريات، والجرائم الالكترونية، فمسؤولية الحفاظ على الذات هي مسؤولية الفرد والأهل بالدرجة الأولى، وسيكون للمدرسة والإعلام دورهما الكبير أيضا، من ذلك تضمين المناهج والبرامج التلفزيونية لما يحتاجه الفرد للإفادة من نعمة الإنترنت في البحث العلمي، وتطوير الذات، والتواصل الإيجابي بين الأمم والشعوب... وللوقاية من سلبياتها ومخاطرها في ظل هذه الثورة القادمة.
وعلى الدولة سن التشريعات والقوانين الناظمة التي تواكب التطورات المتسارعة؛ لتحمي المجتمع والأفراد على حد سواء، ويكفي أن نحذر من الدعوة إلى التطرف الذي بات حديث الأمم، وما يمكن أن يتعرض له الأطفال والمراهقين من التنمر الإلكتروني على سبيل المثال لا الحصر، الذي يسعى للترهيب والتحكم والتلاعب والقمع، وتشويه سمعة المتلقي، وبأسلوب متعمد بقصد إيذائه، وما له علاقة بالتنمر مثل 'التكديس الألكتروني، والمطاردة الإلكترونية، وكلها لا تقل ضررا عن التحرش الإلكتروني الذي يرتكبه البالغون تجاه بعضهم.
وعلى الجهات المعنية بما فيها الإعلام بث مزيد من التوعية بخطورة بث المعلومات الشخصية، والصورعلى المواقع أو المنتديات، والتحذير ممن ينتحلون الشخصية، ومن ينشئون حسابات وهمية، أو مواقع بهدف نشر مواد باسمهم لأجل إبعاد الآخر عن جادة الصواب، والتشويه والإساءة والسخرية من الآخر أو إيذائه، ويمكن كذلك وضع كتيبات توزع مجانا بهدف تثقيف العامة والمعلمين والأهل، وإرسال رسائل قصيرة على الهواتف للتحذير من المشاكل الشائعة أو الخطيرة.
يمكن أيضا الإفادة من تجارب الدول الأخرى التي لديها خبرات أكثر عمقا، وقوانين تهتم بأشكال الاتصال الإلكتروني بوضوح، ووحدات متخصصة للجرائم الإلكترونية، التي غالبا ما تتعامل مع مطاردة الإنترنت كغيرها من المشكلات الأخرى بجدية لا تقل عن المطاردة البدنية.