المتاجر والمطاعم.. المحامص والبسطات.. نوافذ القهوة واماكن العصير جميعها تقدم سلعاً للعرض واخرى تواصي...للتواصي سعر خاص ولزبائنها ترحيب خاص...
في حقيقة الامر لا فرق كبير إن وجد بين المعروض والتواصي في القصة التي ينسجها الباعة ويبلعها المستهلك... اليوم امضى احدهم دقائق وهو يحدثنا عن قهوة التواصي التي يحصل عليها من المحمص الخاص.
جاءت القهوة التي تحدث عنها صاحبنا "التواصي"... احتراما لصاحبنا صمتُّ فلم اجب عن السؤال الذي طرحه عليَّ عن "كيف ارى قهوته؟"...
ذكّرني الموقف بالعبارات التي نشاهدها على بعض الصهاريج من مختلف الالوان وهي تستبيح حقوق المركبات على الطرق ويعبر السائق عن مزاجه الحاد باستخدام مفرط للزامور الذي يلفت انتباهك الى عبارة كتبت على مؤخرة الصهريج "كيف ترى قيادتي؟" لا تجد وقتاً لتجيب عن السؤال فتصمت.
بعض معارض الحلويات والموالح تضع سعرا للكنافة المعروضة والصنف الذي تطلق عليه كنافة تواصي او التسالي المعروضة والتواصي...
في بعض الاحيان تنسحب التواصي على الخدمات فالبعض لا يذهب الى مؤسسة خدمية الا ومعه توصية من اجل ان يتجنب المعروض لانه يعتقد ان الخدمة تفصل للزبون فيصرف الكثير من الوقت في تهيئة نفسه وتدبير امره لمواجهة المؤسسة او الدائرة التي يحتاج للخدمة منها.
وبعد حصوله على التوصية اللازمة يذهب مطمئنا لنجاحه في تحويل العام الى خاص وما ان يذهب لتلقي الخدمة حتى يكتشف ان كل ما حصل عليه هو تأخير لساعات من اجل الترحيب به وتمريره على عدة مكاتب و الاصرار على تقديم كل اصناف الضيافة التي تقدمها المؤسسة قبل ان يحصل على الخدمة التي لا تحتاج لاكثر من عشر دقائق في احسن الاحوال.
التواصي وباء استشرى في ثقافتنا فالكل يطالب بتوصية مدفوعة او مشفوعة وهناك اعتقاد بأن لا شيء يحدث بغير التوصية... اماكن البيع والخدمات والمؤسسات اعتادت على التواصي .. واحيانا تشعر بان هناك خفضاً متعمداً لمستوى المعروض من السلع والخدمات لانعاش نظام التواصي ودفع الجميع للجوء له.
في القطاع الخاص والتجاري لا ضير لكن المشكلة تصبح اعمق واخطر عندما يعطل بعض القائمين على الخدمات خدماتهم من اجل أن يتلقوا توصية ليقوموا بما هو اعتيادي.
اظن ان المدراء وجدوا ليديروا وليتأكدوا ان الامور تسير حسب المعايير والخطط المرسومة.. المشكلة تتفاقم بوجود مدراء تنقصهم المعرفة والجدارة فيسحبهم موج التردي ليصبحوا بحاجة الى رضا العامل الفاسد اكثر من القدرة على التوجيه.
انا لا افضل شراء اي شيء من صنف التوصية ولا التصفية فجميع هذه المسميات جرى ابتكارها لخلق انطباع لدى المستهلك والمتسوق ومتلقي الخدمة بانه ينتمي الى طبقة غير التي ينتمي لها بقية الناس ..
التواصي صفة لا تحمل مدلولاً حقيقياً، ولا يوجد طريقة للتحقق منها غير كثرة الترحيب والشرح والشكر والسعر الاعلى.. اتمنى ان تكون سلعنا وخدماتنا خالية من التواصي لكي لا نخصص العام.. ونتخلى عن معايير الخدمة الجيدة لحساب التصنيفات التي تبدد معنى الجودة وتضلل المستهلك.