المسافة بين الاذعان والقلق
سليمان القبيلات
12-05-2008 03:00 AM
بعد عقود من العيش في منطقة ملتهبة أتقن الاردني الصمت وأجاده حتى بات مضرب مثل فيه، رغم انها صفة حمالة أوجه في تأويلاتها، التي من بينها الانقياد والاستلاب كما يرى كثيرون. ولعل جل محاولات استكناه الصمت الاردني بقيت تراوح عند القشور وبدت متسرعة في طروحاتها، ولم تسبر اغوار هذا الجلد الكبير وقوة الاحتمال على المكابدة، لذا فان منزلة التشخيص للواقع العياني الذي نعيش وموضوعيته تنبني على قدرتنا أن نكون محايدين وتخلص قراءتنا من مؤثرات اللحظة والافتتان بالوقوف خلف أي من مراكز القوى الرسمية وغير الرسمية. ساعتئذ وحينها سنكون اقرب الى اصابة الهدف ..
الاردني لا يعبر تعبيرا كاملا عن قواه، فضلا عن انه لا يعكسها ويكتفي بملامسة القشور هروبا من التوتر، وهو في المحصلة ميال الى أي طريق يبعده عن هذا التوتر.
وعلى نحو يبدو مفارقا سياسيا ينكشف الاردني امام مرثية الفاجعة التي يعيشها حيال التدمير القيمي الجمعي والمؤسساتي، ما يعمق إمعانة في الاغتراب عن واقعه، وهو في كل ذلك مثخن بالفجيعة.
هذا الانكشاف العام امام سطوة المتغير والاستجابة لوحشية السائد يبلغ احيانا بالانسان البسيط حد التدليس والغش الذي يغدو تحت وطأة الحياة حاجة وطريقة تنفي المعاني الإنسانية وتلح على الانسان وتحرفه عن سويته.
يطحن الواقع الغاشم بين تلابيبه المتمسّكين بالنبل، ويدفعهم ضحايا للمستغلين، واللصوص، فلا ينجو من مخالب قبضته سوى أؤلئك الذين يديرون ظهورهم للطهر وهؤلاء في مطلق الأحوال ضحايا وليسوا ناجين من متوالية العسف.
ومن نتاجات هذا أن أصبح الانسان مستجيبا للإذعان والتدجين وأذرع الفساد الطويلة حتى أن الفساد وتجلياته باتت ليس موضع قبول فقط وانما تحظى بعين الاعجاب الجمعي، اذ لم يعد الفاسد يمشي مطأطئ الراس معتمدا على ما تعرضت له القيم العامة من نسف واجهاض ولا نقول تبدلا لئلا يبدو الامر في سياقه الطبيعي.
التقبل المستشري للفساد والتماهي مع نهجه مرتبط برباط وثيق بانحلال اجتماعي وموت الضوابط والبوصلة المرشدة للانسان في هذا التيه الذي يخدم مزيدا من استشراء التحلل والموت المتسارع للمجتمع . ازعم اننا ذاهبون الى لحظة خطيرة في التشظي الاجتماعي والنفسي وفقدان التوازن ولذلك انعكاسات عميقة ستجعل تفتيت المجتمع وافقاده وحدته هدفا يسيرا ولحظة لانتصار نهائي للفساد. عندئذ سيترحم الناس على قلقهم واذعانهم ان بقي لديهم ذاكرة تسترجع شيئا من الماضي.
muleih@hotmail.com