في السياسة: بيض المصالح لا يوضع في سلة واحدة !
د.زهير أبو فارس
16-07-2015 03:19 PM
قمتان هامتان استضافتهما روسيا خلال الايام القليلة الماضية في مدينة أوفا/ بشكيريا (8-10 تموز): الأولى لمجموعة بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب افريقيا)؛ والثانية لمجموعة شنغهاي (روسيا، الصين، كازاخستان، قرغيزستان، وطاجكستان، واوزبيكستان، إضافة الى دول أخرى بصفتها شريكاً في الحوار، وهي ايران، وباكستان، والهند، وافغانستان، وبيلاروسيا وسيرلانكا وتركيا، والباب مفتوح لانضمام دول أخرى). التكتلات الجديدة تشكلت لقناعتها بأهمية التعاون والبحث عن صيغ ومقاربات تخدم مصالحها الاقتصادية والسياسة والأمنية، في عالم لم تعد فيه مقبولة معادلة القطب الواحد وسياسة الاملاءات والضغوطات الاقتصادية في خدمة نهج الهيمنة السياسية في العلاقات الدولية.
لقد اكتسبت قمتا اوفا، والتي التأمت في ظروف الحرب الباردة الجديدة، أهمية استثنائية، ان من حيث التوقيت، او الوزن والنفوذ الذي تتمتع به الدول المشاركة، والتي تمثل، في مجملها، ما يقارب نصف سكان المعمورة، اضافة الى امتلاكها لقدرات اقتصادية واستراتيجية هائلة،قادرة على خلق واقع جديد على الساحة الدولية، وفي مختلف المجالات. وكانت نتائجها منسجمة مع التغيرات الجذرية التي يشهدها العالم، وتحديداً ارساء المبادئ الديمقراطية لبناء الاقتصاد العالمي الجديد، كبديل لسياسات التفرد، والابتزاز، والحصار، والاملاءات، التي تتعارض مع سيادة الدول ومصالح الشعوب، وقواعد القانون الدولي، والتي أفرزت عالماً مضطرباً، لا تحكمه ضوابط وقيم الحق والعدل والاحترام المتبادل لمصالح وكرامة وتطلعات الشعوب والدول، كبيرها وصغيرها. وفي مثل هذه الظروف، فإن الأزمات الاقتصادية العميقة التي تعاني منها الدول، وبخاصة العظمى منها، تصبح محفوفة بأخطار هائلة على السلم والاستقرار العالميين، من منطلق أن الوضع الداخلي ينعكس لا محالة على السياسات والتصرفات تجاه الخارج. وهي ثوابت وتجارب مرت بها البشرية خلال تطورها عبر تاريخها الطويل.
وبالعودة الى قمتي "بريكس" و"شغهاي للتعاون"، فإن انعقادها على هذا المستوى الرفيع، ونتائجها الآنية والمستقبلية، وبخاصة في المجالات المالية والمصرفية والاقتصادية والسياسية والأمنية، تؤشر الى أن نظاماً عالمياً جديداً قد دخل في طور التشكل، على أسس من التعددية القطبية، كبديل طبيعي لحالة القطب الواحد التي عانت منها الشعوب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي قبل حوالي ربع قرن، والتي لم تجعل عالمنا أكثر أمناً واستقراراً. ويبدو أن قمة "بريكس"، قد نجحت في تعزيز التعاون بين دولها، وتوحيد جهودها المشتركة مع دول اوراسيا، بما فيها انجاز الخطوة الأهم والمتمثلة في تأسيس مصرف تنمية "بريكس"، على طريق اصلاح البنية المالية – الاقتصادية العالمية، وتوسيع دور البلدان النامية في صندوق النقد الدولي، اضافة الى تنسيق أوثق لمواقف أعضائها تجاه مسائل السياسة العالمية والقضايا الأمنية. ويذهب بعض الخبراء الى اعتبار ما جرى في اوفا اختراقاً قد يؤسس لحالة تحالف دولي قوي جديد قادر على منافسة الاتحاد الاوروبي، أو ما يعرف بمجموعة "السبع الكبار".
ولكن، وعلى أي حال، فإن التحرك الروسي نحو الشرق قد بدأ فعلاً لينضم الى العملاقين الآسيويين: الصين والهند، وهي تبدو حركة مغرية للعديد من الدول المؤثرة الأخرى في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية. ويقيناً أن كل ذلك سيولد انعكاساته وتأثيراته الأكيدة على الخارطة السياسية العالمية وموازين القوى الاستراتيجية، والتي لن تكون حتماً في صالح القطب الواحد، وروسيا بذلك انتقلت من حالة الدولة المحاصَرَة الى وضع القوة العظمى المبادِرَة والمؤثِرة في العالم الجديد، الذي بدأت تتشكل ملامحه.
وهنا يُطْرَح السؤال: أين العرب من كل ما يجري حولهم، وعند عتبات بيوتهم؟ هل سَنُحْسن قراءة المشهد وعناصره وأبعاده وتداعياته، أم سنبقى، كما نحن، غارقين في الصراعات والفتن المصنّعة لنا خصيصاً، نمارس عملية انتحار ذاتي بهدف تفتيت هذه الأمة والغاء دورها ورسالتها التاريخية والحضارية؟! والفوضى التي نعيشها الساعة دليل ساطع على ما نزعم.
وأخيراً، فإن من لا يجيد قراءة التاريخ لا يستطيع اتخاذ القرارات التي تنسجم مع مصالحه الحيوية، كما تفعل الشعوب الحية. فالعواطف، ودفن الرؤوس في الرمال، ونهج ادارة الأزمات، لا تصنع سياسة حقيقية، ولا تحافظ على الأوطان والكرامة، كما أن بيض المصالح لا يوضع في سلة واحدة ! إنها لحظة تاريخية للمراجعة وتحديد المسار، وتوظيف الاوضاع الاقيليمية والدولية في مصلحة الأمة ومستقبل أجيالها. فهل نحن فاعلون؟!
الدستور