بعد اعلان وزير الخارجية الالماني شتاينماير نيته زيارة طهران في اقرب وقت ممكن، عزم رئيس الدبلوماسية الفرنسية لوران فابيوس السير على خطى نظيره الالماني، رغم انه (فابيوس) كان الاكثر صقورية وتشدداً خلال ماراثون التفاوض «النووي»، الى درجة ان اسرائيل عوّلت عليه كي «ينسف» اي اتفاق مُحتمل، ولم «يٌقصّر» الرجل في واقع الحال وراح يُطلق مدافع تصريحاته ويضع الشروط القاسية رافعاً سبابته ومحذراً بأن باريس «لن» تقبل ان تمضي ايران في مراوغتها للعالم أجمع وتفوز بالقنبلة النووية.. لكن فابيوس ورئيسه، صمتا تماماً، بعد ان قرّر السيد الاميركي وضع حد للعبة المناورات واطلاق بالونات الاختبار وقال فجر الرابع عشر من تموز 2015: ان اللعبة قد انتهت وان «الاتفاق» بات جاهزاً للتوقيع، فلم يجرؤ أحد (في المعسكر الغربي بالطبع) على الاعتراض او التغريد خارج السرب وسارعوا لالتقاط الصورة التذكارية التي جمعتهم بالدبلوماسي الايراني الضاحك الدائم والظريف (ولكن المُحنّك) محمد جواد ظريف، وافاق العالم على مشهد جديد، يُنذر بأوضاع اقليمية ودولية «مغايرة» لم تكن ذات يوم في حسبان اولئك الذين راهنوا على انهيار المفاوضات في ربع الساعة الاخير، معتمدين على تحليلات او تسريبات او تطمينات اقرب الى الأوهام والاستغباء منها الى اي شيء اخر، يُمكن ان يندرج في عالم السياسة او المصالح او ادارة الظهر لدول وزعامات لم تكن ذات يوم تحظى باحترام السيد الابيض، بقدر ما كانت تخدم مصالحه وتؤمِن احتياجاته وتسهم في إخراجه من ازماته، الى ان غدت عبئاً «استراتيجياً» على مَن «تخادَمت» معهم ولم يحسبوها ذات يوم في خانة الاصدقاء.
ما علينا..
مطار مهرآباد في طهران، الذي لم يعرف الازدحام ولا استقبال الطائرات الغربية بأعلامها وشعاراتها المختلفة وخصوصاً تلك الرسمية خلال اربعة عقود إلاّ قليلاً، سيكون منذ الان أحد اكثر مطارات المنطقة ازدحاماً واكتظاظاً بالوفود السياسية والاعلامية وخصوصاً الاقتصادية، من شركات ومستثمرين ورجال أعمال و«بزنس» واصناف من «مقاولي» كل شيء في الغرب، الذين يعرفهم العرب جيداً، عندما تكثر «العوائد النفطية» وتزداد «كمية» العروض والعطاءات وخصوصاً العمولات..
سيحاول نتنياهو بكل ما يتوفر عليه من صفاقة وقدرة على الابتزاز أن يَخرج بإسرائيل «رابحة» من هذا الاتفاق, رغم كل ما يُقال ويُطرح ويُسمع من تصريحات ومواقف وبيانات, فهذه لعبة يُتقنها قادة الصهيونية ومن شايعهم من المُستعمرين والمتصهينين وتجار الحروب ومرتبكو الجرائم ضد الانسانية ومَن أفنوا شعوباً اصلية وحضارات سابقة ومَنْ كرّسوا العنصرية والاستعلاء والغطرسة فوق اجزاء عديدة من المعمورة..
قادة اسرائيل وعلى رأسهم نتنياهو، سيشنون حرباً شعواء على ادارة اوباما (لا تعنيهم فرنسا أو بريطانيا ولا يملكون القدرة أو الرغبة بمهاجمة روسيا أو الصين أما الاتحاد الاوروبي فمؤجل الى ان يحين موعد الابتزاز السياسي في المسألة الفلسطينية) ولن يعدموا وسيلة لشيطنة ادارة اوباما وتحريض الكونغرس عليهم، وستكون «قمة» التشهير باوباما وكيري عندما يهبط (100) سنتاتور ونائب جمهوري وديمقراطي في اسرائيل الشهر المقبل, ليقف نتنياهو أمامهم مستعيداً «المظلومية» اليهودية في ثلاثينات القرن الماضي وصعود النازية بعد اتفاق تشمبرلين مع برلين، وغيرها من الاسطوانات المشروخة التي سمعناها وكيف أن ايران باتت دولة حافة نووية، وكيف أن اوباما اختار اتفاقاً سيئاً ضارباً عرض الحائط بمصالح اسرائيل الديمقراطية الوحيدة التي تعيش في محيط من الاعداء وتهديدات الارهاب الاسلامي.. وستجد اسرائيل من يُناصرها، لكنها لن تكتفي بمثل هذا التأييد الكلامي, ولهذا ستزداد الضغوط (وربما العروض) لتعويضها عن «الاخطار» الكامنة في الاتفاق، وستجد أمامها «باقة» من الاختيارات المغرية، بدءاً من طائرات (إف 35) الأحدث في العالم، وليس انتهاء بمنظومات دفاع جوي وقنابل خارقة للملاجئ سميكة السقوف، وللذين يشككون في هذا السيناريو العودة الى ما حصلت عليه اسرائيل بعد التوقيع على كامب ديفيد من مليارات وبناء مطارات ومنظومات تنكولوجية حديثة للاستخدام العسكري، انتزعتها من جيب دافع الضرائب الاميركي.
ماذا عن العرب؟
لا داعي لاسئلة «استفزازية».. كهذه, فهم سيُواصلون اصدار البيانات والادلاء بالتصريحات المتلعثمة، والجلوس على الحائط ومواصلة التثاؤب والتحديق في الفراغ بانتظار «اللاشيء».. لأنهم أخرجوا أنفسهم (أو اُخْرِجوا) من التاريخ، وباتوا موضع سخرية (او شفقة).. من الجميع.
الرأي