المحنة الكبرى : الديمقراطية ام الأمن ؟!عمر كلاب
15-07-2015 05:36 AM
منذ انتهاء المحنة الاولى التي اصابت العقل العربي زمن خلق القرآن او تنزيله ، لم يُصب العقل العربي سهم سؤال اشكالي كما السؤال السابق حول كتاب الله العزيز ، الا بعد الربيع العربي وقَدَر الاختيار بين الامن او الديمقراطية ، واذا كانت المحنة الاولى قد انتهت بهزيمة الفلسفة الاسلامية ومشروعها الوليد هزيمة نكراء على يد انصار النقل على حساب إعمال العقل ، وانتهت بغلق باب الحداثة والاجتهاد على يد “ حُجّة الاسلام “ الشيخ ابو حامد الغزالي الذي قال “ لم يبق للسلف ما يضيفه على اعمال الخلف “ ، فإن سؤال الديمقراطية وتنافس الاسبقية مع الامن ما زال مفتوحا وإن بدت ملامحه تميل لصالح تقديم الامن على الديمقراطية بمعنى اعمال النقل على حساب العقل من جديد . محنة ابن حنبل وصراعه مع المعتزلة ، اسست الى اجهاض الفكر الفلسفي واحكمت اغلاق باب الاجتهاد العقلي وكانت سببا تاليا لظهور قوى التطرف الديني ، وظهور فكر قتل المخالف واستعصاء العقل على الديمقراطية وادراك كنه فقه الاختلاف ، حيث حسم السجن والاختفاء ومن ثُم السحل مصير الطرف الخاسر او المهزوم ، فالشيخ ابن حنبل نقض اتباعه حجارة السجن وأخرجوه فيما ذاب المعتزلة في المجتمع دون ان يظهر لهم رأس حتى لحظتنا كدعاة فكر فلسفي اسلامي ، وحتى ابن رشد خسر معركته مع رجال الدين الذين قالوا ان الفلسفة تناقض الدين وان اتحفوا المكتبة العربية بكتابي ، تهافت الفلاسفة وتهافت التهافت لكن فقه الاختلاف بقي على حاله اما طرد واما سجن واما سحل . الثابت الوحيد في سلوك العقل العربي تكريس معاني ومضامين فقه الاختلاف بإلغاء الطرف الآخر ماديا ومعنويا ، وصار السلف هو المتحرك بالنسبة لفكر الخلف ، وسقطت سيرورة التاريخ وجدلية الزمان ، فالحلم العربي مفتوح على التاريخ والمستقبل استنساخ للماضي دون استنساخ الرجال ، فالخلافة نظام حكم له وعليه ، لكن ابا بكر وعمر هما من اضفيا على هذا النظام هيبته ومهابته بسلوكهما القويم وعدلهما وحرصهما على شؤون المسلمين ولو اختارا نظاما غير الخلافة بنفس السلوك لوجد القبول عند الناس ولأنصف التاريخ ، الشكل الذي اختاراه ، فالثابت ان فقه الاختلاف في تلك الحقبة كان حضاريا وحاضرا ، فالخليفة ابا بكر حرّض الناس على مخالفته وعصيان اوامره ان عصى الله والخليفة عمر استمع الى انتقاداته العلنية واجاب عليها كما في قصة الثوب وقصة الكره والمحبة . منذ فقداننا فقه الاختلاف وحقّه وحسم الصراع او الاختلاف بأدوات مدنية مثل الشورى والاقتراع ، ونحن نسير بسرعة نحو الهاوية وفشلت الامة في استحضار ذاتها واعادة تموضعها بين الامم منذ قتل المخالف واجهاض الادوات المدنية لحسم الاختلاف ، فوصلنا الربيع العربي بثقافة وفكر السلف ، فكان الثوري وكان الفلول وكان البلطجي وكان السلمي والكل امام نقيضه وليس امام خصمه ، فساد فقه الغاء النقيض على حساب مصارعة ومقارعة الخصوم بالعقل والبرنامج ، فخسر العقل جولته الثانية ، ربما لانعدام لياقته الاجتماعية وكسله طوال عقود وتكبيله من السلطة بكل القيود ، وسقط في امتحان المحنة الثانية بأنه لم ينجح في تقديم الديمقراطية الآمنة فانقلب عليه المحافظون وسرقوا الثورة والمقعد والزمان والمكان والانسان . محنة العقل انه لم ينجح في تقديم متلازمة الامن والديمقراطية ، وبأن كل المجتمعات التي قدمت الامن على الديمقراطية فشلت وخسرت الجهتين ، في حين نجحت كل المجتمعات التي قامت بالديمقراطية الانتقالية وعدالتها على قاعدة الانصاف والمصالحة او العدالة والانصاف ، نحن الآن اما امتحان اقرب الى المحنة وعلينا الاختيار والعمل من اجل الديمقراطية الآمنة ،واسكات الاصوات التي تتحدث عن الامن لوحده او الديمقراطية لوحدها ، فكلاهما اما يميني محافظ واما انتهازي او فوضوي ، وعلى العقل ان يسترد حضوره وينتصر على حساب النقل الذي اعاد انتاج الفكر المتطرف مجددا ولكنه بنسخة اكثر وحشية .
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة