لقد كانت الحضارات القديمة بارعة في الاستخدام العلمي للمعارف الموروثة, لكنها لم تتحول الى النظريات الكامنة وراء هذه الخبرات.

كانت اشبه بالمقاول الذي اكتسب قدرا هائلا من الخبرات العلمية، سواء عن طريق التلقين او الممارسة، دون ان يعرف اسس البناء بما يمكنه من التصرف حال حدوث اي طارئ .

لقد الف ستيفن جونسون كتابا في الولايات المتحدة خلال العام الماضي ,واصبح من بين العشرة كتب الاكثر مبيعا في قائمة النيويورك تايمز ,وبعنوان كيف وصلنا الى الآن؟ وهو يتكلم عن العالم المتقدم ,كيف وصل الى هذه الدرجة من الرقي المادي والمعنوي.

لم يكن حال البشرية هكذا كما نعرفه الآن, وانما كان متخلفا وبدائيا.

اختار المؤلف طريقا غير تقليدي لرسم هذا الطريق من خلال متابعة ستة أمور:

الزجاج، البرودة، الصوت، النظافة، الزمن، الضوء.

توصل الى ان مسيرة التطور حققوا ما حققوه من انجاز وتطور مع الزمن ,كما فعل أديسون مع المصباح الكهربائي,وستيفن جوبز مع الكومبيوتر،
اي منهما لم يخترع شيئا، لكنه رأى ما الذي يمكن ان تصل اليه مخترعات الآخرين.

فهل وصلت الدول المتقدمة مثل كوريا الجنوبية والصين وسنغافورة والبرازيل وباقي الدول المتقدمة الى حالتها الآن من خلال البنود الستة المذكورة في هذا الكتاب؟

مثال على ذلك فان الزجاج الذي تكون منذ 26 مليون عام عندما حصل اصطدام نيزك- جاء من الفضاء الخارجي – بكوكب الارض في صحراء ليبيا مولدا قدرا هائلا من الحرارة تزيد على 500درجة فهرنهيتية ,فما كان من رمل الصحراء الا ان تحول من حالته الصلبة الى حالة سائل ,وعندما انخفضت حرارته لم يعد رملا وانما صار زجاجا او سيليكون.

مثل ذلك لا يحدث في الماء الذي يتبخر عند درجة حرارة معينة ,ويتجمد عند أخرى ,لكنه في الحالتين يمكن للبخارأن يتكثف بالبرودة ,فيصبح ماء، اويتحلل الجليد الصلب بالحرارة فيعود ماء مرة اخرى .

أما الرمال وما أكثرها عندنا فلا نستطيع اسنغلالها , كما يستغلها الغرب ,ومثالا على ذلك رمال وادي السيليكون في كاليفورنيا,الذي يصنعون منه الزجاج والمرايا والمصابيح وعدسات النظارات ,والكريستالات,والكوارتز للساعات الدقيقة والكومبيوتر,وكذلك الالياف الضوئية المستخدمة للاتصالات العالمية .

أما الضوء الذي تطور منه اشعة الليزر ,لتحرق وتقطع وتعالج , وتطور منه الخلايا الضوئية ,التي أصبحت مصدرا للطاقة ,تنير البيوت والشوارع والساحات .

الكثيرون يتصورون ان الثروة لا توجد الا في النفط او بعض المعادن الثمينة
رغم ان كل ذلك لا يزيد عن كونه مواد كربونية تولدت من ضوء الشمس وحرارتها, التي جرى اختزانها بأشكال مختلفة في باطن الارض.

يوجد لدينا وفرة كبيرة من الرمال والضياء ووفرة كبيرة من الزمن، حيث عمل السابقون الى تقسيمات الليل والنهار, وصار سنوات وشهورا واياما وساعات ودقائق وثواني, حيث الدقة الزمنية هي الفيصل في عمليات بيولوجية ضرورية في علاج الانسان وهو مقياس لحجم العمليات والانجاز .

لقد تقدمت اليابان وأصبحت من الدول المتقدمة رغم ان بلادها لا تحتوي على خيرات او اية مقومات سوى حب شعبها للوطن وحب العمل في الصناعات والتقدم العلمي الذي يبهر العالم .

نحن لدينا كل امكانيات وكل مقومات الرمال والزمن والضوء وغيره , وما علينا الا البحث العلمي وتشجيعه ,حيث البحث العلمي هو فكر منظم يجب ان يقوم به الباحثون للوصول للحقائق , لحل مشاكل معينة , والوصول لنتائج مرضية ,يستفيد منها الشعب لتطبيقها على كافة الاصعدة .

التطبيق يوصلنا للتكنولوجيا الحديثة, حيث اصل الكلمة , كلمة يونانية من مقطعين.
المقطع الاول تكنو ويعني حرفة اومهارة او فن, أما الثاني ,فهو لوجي ,فيعني علم او دراسة , ومن هنا فان كلمة تكنولوجيا : تعني علم الاداء او علم التطبيق .
انها كلمة شاملة , تقوم بتطبيق العلوم والمعارف بشكل منظم لتحقيق اغراض ذات قيمة مهمة للمجتمع , وهي الاستخدام الامثل للمعرفة العلمية وتطبيقاتها.

هذا لا يتم دون بحث علمي منظم للوصول لنتائج مرضية ,حيث العالم المتقدم يرصد ميزانيات واموال طائلة للبحث العلمي , ويشجع الباحثين ,ويمنحهم حوافز تشجيعية كبيرة.

أما نحن فان ميزانيتنا للبحث العلمي تكاد تكون هزيلة , ونعتبر مجتمعا استهلاكيا أكثر منه مجتمعا صناعي او انتاجي او عملي.

ان امكانياتنا هائلة، فان ركزنا على البحث العلمي يمكننا الوصول لنتائج مرضية تعود علينا بالنفع والتقدم والرقي.


dr.sami.alrashid@gmail.com