اجتمعنا نهاية الأسبوع الماضي في نطاق المجلس العربي لحوكمة الجامعات العربية وهو مجلس تم تشكيله بناء على توصية من المؤتمر العام لاتحاد الجامعات العربية في دورته الأخيرة بمدينة بيروت، بعد أن اطلع على نموذج لدليل موحد أعده فريق من المختصين الأردنيين كخطوة أولى قررها المؤتمر في دورته التي عقدها في عمان العام الماضي.
الذين حضروا الاجتماع هم رؤساء جامعات عربية إما أنها عتيقة عريقة، أو حديثة واعدة، جاءوا إلينا من مصر والعراق والسعودية والسودان والإمارات وفلسطين.
وقد أظهر المجتمعون وعيهم لطبيعة المهمة التي ينوبون فيها عن حوالي أربعمئة وخمسين جامعة عضواً في الاتحاد، وما لا يقل عن هذا العدد من الجامعات غير الأعضاء، ولكنها يمكن أن تستفيد من النموذج أو الدليل الموحد الذي سيعمل المجلس على إعداده، لكي تتبع كل جامعة ترغب في تطبيق معايير الحوكمة الرشيدة في إدارة شؤونها، خطوات الدليل الذي سيلتقي في نقطة معينة مع معايير الجودة التي اصبحت الآن شرطا من شروط نجاح الجامعة، أو بقائها.
كان أول سؤال يواجهه المجلس في اجتماعه الأول هو: هل يمكننا الحديث عن نموذج موحد في ظل اختلاف القوانين الناظمة لقطاع التعليم العالي من بلد لآخر ؟ لقد قالها أحد الأعضاء سلفا، إذا اختلف الدليل مع الأنظمة المعمول بها في بلدي، فلن يكون له أي قيمة، وبطبيعة الحال وافقه الآخرون بطريقة أو أخرى، وكنا نعرف سلفا أن إعداد الدليل يتطلب الاطلاع على التشريعات والقوانين والأنظمة الخاصة بمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في كل بلد على حدة، وبالتالي فإن اتباع الدليل عندما ينجز ليس بالضرورة أن يكون حرفيا.
إن الفكرة الرئيسة تقوم على ضرورة إعادة النظر في الطريقة التي تدار بها الجامعات الرسمية والخاصة في بلادنا العربية، ليس من أجل أن تدرج على قائمة، ولكن من أجل أن تصير رافعة لعملية نهوض شامل تزداد الحاجة إليه يوما بعد يوم، خاصة ونحن نرى قصور الفكر العربي عن التصدي لأسوأ حالة انهيار فكري تمر بها منطقتنا العربية، حيث يسيطر التطرف والتخلف فيصم الأمة بما لا يليق بها، ولا يستقيم مع فكرها واسهامها العميق في الحضارة الإنسانية، دينا قيما، وعلما نافعا، وفلسفة راقية، وإرثا غنيا، وكان منطلق ذلك كله ما يشبه الجامعات والمعاهد والمدارس في عصرنا الراهن.
إنها ليست مسألة تشريعات وقوانين وأنظمة، إنها مهمة ودور إما أن القطاعات قادرة على القيام به، أو لا، وهذا الدور يجب أن يحدد بناء على طبيعة التحديات التي نواجهها، وهي تحديات تجاوزت مفهوم التشغيل واستيعاب الخريجين في سوق العمل، إلى ما هو أهم وأخطر إنه الوجود والثبات والصمود في وجه الانهيار الكبير.
لقد سرني ما لمست من روح ايجابية عّبر عنها جميع رؤساء الجامعات الأعضاء في المجلس العربي لحوكمة الجامعات العربية، وكأن لسان حالهم يكرر قول الشاعر الكبير أحمد شوقي نصحت ونحن مختلفون دارا ولكن كلنا في الهم شرق... ويجمعنا إذا اختلفت بلاد بيان غير مختلف ونطق.
"الراي"
Yacoub@meuco.jo