facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




«زيارةُ علاجٍ للجسدِ والروح» .. عدسة لاقطة ؟! بقلم : د. بسام الساكت


12-07-2015 07:16 AM

وصلت فرانكفورت ثم بالسيارة الى مستشفى مدينة جامعية إسمها فرايبورغ، تعود الى عام 1840، دلّ سجلها حصول خمسة فيها فقط على جائزة نوبل!! ؛ وفيها 30 الف طالب ومعظم سكان المدينة ال ربع مليون نسمه يقودون الدراجات الهوائية. وحين ذهبت الى موعدي في عيادة البروفسور د. إلْرِج هووبي، في مستشفى الجامعة قمت بالتسجيل، وقابلتني أخصائية في علاج آلام العمود الفقري، وبعد معاينتها ليّ وقراءة التقارير والصور التي أخذت في الاردن، شرحت لي طبيا معضلتي الطبية، ثم قابلت الجرّاح الأخصائي في العمود الفقري، ففحصني بدقة وشرح لي قناعته الخاصة بالعلاج، فوجدته متحفظاً، وعرفت ان ما يحكم قراره في النهاية هو رأي المجموعة الاستشارية من بعد لقاء جماعي لكافة من قابلني. وخرجوا عليّ بضرورة اجراء العملية الجراحية فوراً، ووُجُه إليَّ لوم كبير، لكن بأدب على التأخير في القدوم الى ألمانيا للمعالجة، بل كالوا اللوم على الأطباء عندنا على نهج معالجتهم لي وعلى تأخرهم.
وبعدها جلست مع أخصائي آخر شرح لي أبعاد العملية السلبية من احتمالات محسوبة، من تلف للأعصاب او تلف لعضلات الظهر او الشلل لتشابك العصب او إحتمالات الوفاة بصدمة. بالطبع كان واضحاً لي ماسبق وشرحوه عن إحتمالات النجاح فيها، لكنني تذكرت الدعاء لله: حسبنا الله ونعم الوكيل. فوقّعت على «وثيقة إطّلاع وتحمل مسؤولية»، وعندها توضِّح ليّ أكثر أنني بأيدٍ مهنية تصنع المرسيدس والبورش ولست بأيدٍ أخرى.
وفي جميع تلك اللقاءات، كنت اجلس خارج عيادة الأخصائي ذَي العلاقة مع مرضى آخرين، ثم أشاهد كيف ان الطبيب الأخصائي يخرج ويحضر هو بنفسه من مكتبه ليسلم على المريض ويدعوه لمرافقته الى مكتبه، مصحوبا بكلمات ترحيب وابتسامة الواثق. وفي خلال اللقاءات تلمس منهم الشفافية والبساطة وإعطاء كل مريض الوقت الكافي. وآخر ما طلب مني هو ان اطَّلع على رقم كلفة العملية. وأودعت في غرفتي في المستشفى وأمضيت لياليٍ رهن عناية وقيود مكثفة صارمة ما قبل وبالأخص ما بعد الجراحة تتضمن مراقبة وعلاج فيزيوثربي تأهيلي للحركة ليصبح المريض مؤهلا لسلوك حياتي حركي آخر يعتمد فيه على نفسه.
إن ما شاهدته أنعش ذاكرتي عن صورة شعب ألماني أعاد بناء أمته مادياً ومعنوياً بل فاق الحلفاء الغربيين الذين دمروا اقتصاده وبنيته التحتية خلال الحرب العالمية الثانية. إنه شعب ومؤسسات ترفع لهم التحيات وأنه شعبٌ لم يهزم من الداخل، رغم هزيمته العسكرية. وشاهدت بعيني التالي:
اولا: كنت في طابق يحوي غرف المرضى لجراحة العمود الفقري والدماغ والأعصاب، ورغم دقة العلل عند المقيمين المرضى لكن الثقة بأطباء المستشفى والطواقم المساعدة، كانت تُكسي المرضى ثوب الراحة والسكينة. وكنت، بحمد الله، أستعين بالله وأوكِّله أمري فهو نعم المولى ونعم الوكيل. وأُجيب من حين لآخر هاتف الاوفياء الأصدقاء الذين يسألون عنّي او يهمهم امري، فقد كانوا أنيساً لي بعد الله وأسرتي.
وكمريض، فذلك شأن كبير، فقد سعدت بسؤال الأحبة عني، أصدقاء وممن عاصرتهم، فلمست فيهم عمق معاني مفردات «الودِّ والمودة والفضل». وسيُدَوّّنُ قلمي وقلبي وعقلي، لمسات الودِّ تلك في كتاب مذكراتي الذي أُِعدُّه حالياً، تحت عنوان «
: «بيت من البلقاء-مسيرة ووفاء»، مساهمة في تدوين ذاكرة الوطن للاجيال. «ربنا اغْنِنَا ولا تَحْني لنا قامة».
ثانياً: كان طاقم التمريض مُمَيزاً بالمهنية والعناية والصبر والإستجابة والإبتسامة غير المتكلّفة، ويؤدي الواحد منهم مهام متعددة برضىً وكفاءة، كأن يقدّم الطعام ويسترجع الفائض ؛ ويحضر الأجهزة الطبية الالكترونية فيقيس الضغط والحرارة ويدوّن كل جواب للمريض على أسئلته لينقلها فوراً الى الأخصائي ذَي العلاقة. وتلمس فورية التجاوب دون سؤال ومتابعة منك. ثم يتبعه المرور المنظَّمُ للأطباء يومياً كالطبيب الذي اجرى الجراحة والأعلى مرتبة وشأناً بالإختصاص. ويصحب الأطباء الـseniors على الأقل إثنان من ال الأخصائيين الـjuniors, كلُّهم يصغون لرئيسهم وإجابات المريض، بأدب جمْ. ومن بعد يجمعهم الرئيس لتقويم الجولات على المرضى.
ثالثاً: يشعروك الأطباء والطواقم بأن» تتوقف» عن ترداد عبارات الشكر لهم على عنايتهم، ويؤكدون لك على أنهم يؤدون عملهم كما يمليه الواجب المهني.
رابعاً: وكمريض، ينبهر الواحد مِناَّ من «النظافة» في المستشفى، والمرافق، حتى تكاد تحسب الحمامات تصلح منامات !! وتحسب الغنية بالنظافة سرسبةً ووسوسةً، من كثرة إستخدام الممرضين المعقمات روتينياً، قبل الخدمة، وبعدها.
خامساً: وفي الصباح الباكر قبل السابعة أو مساءً، بعد السابعة، يفاجأ المرء بمن يطرق باب الغرفة عليه، مستأذناً الدخول، لابساً زيّ المستشفى وحاملاً رقما مميزاً. وحين أجبت إحداهُنَّ بالدخول، عرّفتني على نفسها أستاذة رياضيات متقاعدة، متطوعة كآخرين، تزور أسبوعياً المرضى، ممَّن لا رِفقَةَ معهم، تتحدث معهم لتخفف عنهم الوحْدَة وثِقل الألم.
واستمتعت بحديثها. وبالتوازي، شرحت لها قيمة عملها التطوعي هذا عند الله، كما ورد في ديننا الحنيف وعاداتنا التي تنقرض وتذوب بفعل الإغراق بالمادية والمصلحية والتسيُّسْ وتفتت قيم العائلة وضعف البر والتقوى. «اللهم لا تجعل الدُّنيا أكبرُ همِّنا».
سادساً: تجد حركة ألأطباء والممرضين في الممرات منظمة كثيفة دون ضوضاء، كلٌّ متجه نحو مَهَمَّتِه، كأنك تشاهد فلماً متحركاً صامتاً.
سابعاً: عاد بي شريط الذاكرة الى مواقع التميُّز الطبي المؤسسي في الاردن، وأوائل المبدعين في الستينيات من القرن الماضي» قبل» ان تطلع علينا «شعارات» التميُّز ولافتات وبروشورات الإعلام والافلام !! وقبل ظُهُور «حَمَلةَ المباخر» عندنا، المروِّجون للطب والمستشفيات والمروّجون للمستثمر المميَّز فيها !! لقد كانت تلك المستشفيات مواقع عمل مخلص نزيه، لا توجِّهُه بوصلة الدينار، بل القيم والإنجاز والرعاية الإنسانية. فحُوفِظ بذلك على كرامة الموظف والمتقاعد والطفل والمرأة، والمحتاج وكرامة الوطن !! ألا يتذكر الوطن وأبناء البلقاء بالذات، مستشفى السلط وطبيبه الانسان الدكتور صهيون ود. سعد المعشر ؟ ألا يتذكرون د.إميل لطفي الكرشه والدكتور طنوس ود. انيس الإيراني ود. محمد البشير واحمد مساعده والصيدلاني عبد الحليم بدران ؟ كانوا في ممارستهم، آباءً، ومربّين، وإنسانيين، محسنين للمحتاج الفقير، ثم أطباء معالجين. ألا يتذكر أبناء عمان، المستشفى الايطالي وطبيبه الإنسان د. تيزيو روميرو ؛ ومستشفى المعشر في جبل الحسين وطبيبه الانسان د. سعد المعشر وممرضاته الراهبات الطيِّبات، المُنْتَظِمات من روما، أللاَّتي تهفهف ملابسهنَّ بالنظافة ؟ ؛ ألا نتذكر د. زهير ملحس في مستشفاه ومهنيته وحزمه وحملته ضد التدخين ؟ ؛ وطبيب الأسنان عبد الفتاح البستاني الإنسان متعدد الثقافات ؛ كما لا يغيب عنّا الطبيب عبد السلام المجالي في مستشفى ماركا العسكري قبل المدينة الطبية، وكيف كان يحزم ويُنظٌِم وبَرٌ بأساتذته وأهله، يعالج فقراء ووجهاء ومتقاعدين من الريف والبادية معتزٌ بأردُنِّه ساعٍ لرد الجميل للأهل والوطن بالإنجاز وحده، دون تطلُّعٍ لوسام او شهادة، او تصوير تلفزيوني او ترويج تكنولوجي تجاريٍ مُضَلِّلْ !!؟ أليسَ الطبيب داؤود حنانيا ومن تبعه من ناظمين وبناة المدينة الطبية هم رموز تُرفَعُ الجباه حين ذِكْرُهم ؛ وأطباء أمثال عبد الفتاح مصطفى الحمدان خليفات وعبدالله الحياري، وعادل الشريّْده، وغازي بقاعين ويوسف القسوس ونادر يونس وإبراهيم صبيح، ومنذر السعودي وهاشم ابو حسان، وَعَبَد الله البشير، وقِلَّةً آخرين أعتذرُ لهم إن سهوتُ عن ذكرهم، إنهم فئة طيبةٌ لم تكن توجههم بوصلة المادة والأوسمة بل هم أبناء وطن مهنيون لهم قلب على الوطن وأهله.
فأين معظم النماذج الحالية والمؤسسات الطبية والافراد من تلك في الأمس القريب ؟ وعلى الرغم من وجود حالات إستثنائية، فلقد أصبحت معظم المستشفيات الجديدة الحالية، مواقع إستثمار ماديٍ, خلت، وإلى حدٍ كبير، من الروح والقلب على الوطن وأهله، بل البعض منها مستغِلٌ للفقير والغني معاً، والمريض المستجير للعلاج من اشقائنا العرب، ناهيك عن الأخطاء الطبية، وضعف المعايير المهنية، عند البعض. وقد تَقسُو الكلمات وتَجرحُ وتُغْضِب فيما لو أفصحتُ أكثر او قارنتُ مع ألمانيا سلوكاً وأطباء ومؤسسات. والمقارنة تَصِحُّ في مجال الطب البشري. ولكن: « لا يحب اللهُ الجهرَ بِالسُّوء مِنَ َالقَوْل.. «، صدق الله العظيم، وأكتفي بسؤال سماويٍ :» هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» ؟ الجواب واضح. هناك فرق بين من يصنع المرسيدس بنز وبين من... ! نعم، الحديث هذا قد يُغْضِبُ لكنه هادف «لوِقْفَةٍ مراجعة» يُحدَّدُ فيها الإنجاز الحقيقي، ويُكرَّم أهله، وتُفتحُ العيون والقلوب والعقول والرقابة على شواخص» بوادر» هبوطٍ طبيٍّ نوعيٍّ وقِيَمِيّْ، في العديد من المواقع، في هذا القطاع، نخشى تسارُعَهُ، إِنْ تجاهلناه !!
ثامناً: ولا تكتمل الصورة دون أن أُدَوِّنَ كيف ان الأشجار في ألمانيا، الكبيرة القديمة، في الشوارع والحدائق، مستقيمة الساق غير منحنية ! لكن ما شاهدته من تثبيت الأشجار الصغيرة «المزروعة حديثاً» بركائز وثوابت تحكم نموها بإستقامه، فسَّر لي سٍرَّ إستقامة القديم منها اليوم !! وكذلك الحال ينطبق على تربية الفرد على الإستقامة. فلمْ أعْجَبُ بعدها حين شاهدت سيدات في سن الثمانين يركبْن الدراجات الهوائية. لقد نشأن على قيادتها منذ الصغر، والدليل تراهُ عندما تمرُّ سيدة او أب يقود دراجة ومعه طفل في التاسعة يقود أخرى بجانبه، وينضبطان مع إشارات المرور.
تاسعاً: لابد لي من إستعارة قول مأثور: أنني وجدت «إسلاماً» في المؤسسة العلاجية الألمانية التي زرتها، ومهنية، وصدق، وصبر، وإحترام الموعد دون إخلاف، وإنسانية وبُعداً عن المادية واحتراماً للعلم والمعرفة والمنجزين وخدمةً دون إدعاء.وما مثال نهج السيدة المتطوعة الذي ذكرته والتي تزور المرضى، إلا سلوكاً مثيلا لنهج إسلامي» كان «حيّاً عندنا.
والمُقلِقُ أن تشهد عندنا بوادر تدنٍ نوعيّ نحو حالةٍ هي نقيض ما في أعلاه !!! إن العجوزات الرقمية كعجز الميزان التجاري وعجز الموازنة، وميزان المدفوعات، هي بنظري عجوزات مادية رقمية، علاجها أهونُ بكثير من علاج «العجوزات المعنويةِ» في موازين القٍيمِ والسلوك.
رَبَّنا لا تَحْني لنا قامةً ؛ وَوَلّي أُمورنا خِيارَنا ؛ وهَبْ لنا من لَّدُنك رحمة ؛ والحمدُ لله، أولاً على نعْمائِه بمعافاتي، والشكر للأطباء الألمان الذين أنقذوا جسدي وروحي، لِأَعودَ لإِسْتكمالِ أداءَ واجبي على الأرض.
الراي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :