لقد فهم أباطرة اليهود الصهاينة في وقت مبكر كيف يسيطرون على العالم وكيف يوظفون الدول العظمى لخدمة مصالحهم، وهنا جاء دور العرب والمسلمين لتسخيرهم كي يخدموا الهدف الصهيوني الأكبر، وهو إنشاء وطن ودولة يهودية صهيونية بمظاهر علمانية وجذور ونسيج وفكر يهودي متزمت، ومنذ أصبحت فلسطين هدفهم فقد اشتغلوا جيدا على زراعة عناصر الهدم في المجتمعات الإسلامية وأمعنوا في تشويه وتحريف صورة الإسلام والمسلمين والعرب عموما وإدخال تعاليم وأفكار شاذة، فاشتغلوا على سلاطين بني عثمان المتأخرين حتى ميعوا القوانين الإسلامية وسمحوا بالشذوذ وأكثر، واشتغلوا في مصر أشغالا شيطانية، حتى أن الحكومة استحدثت في نهاية القرن التاسع عشر قوانين ترخص لمحلات الدعارة بشكل رسمي و»للخواجات» بالخصوص.
لهذا رأينا كيف أثمرت شجرة الصهيونية ليخرج بين الحين والآخر وفي أكثر من بلد عربي كتّاب وسياسيون ومنظرون لا يتورعون عن الطعن في الإسلام والعلماء المشهود لهم بالوسطية والعلم الراسخ، وهؤلاء النفر من الأصوات المزعجة لم يأتوا من كوكب بعيد ولا من بلاد الهند والسند والصين القديمة، بل هم من أبناء عربنا ومن جلدتنا ونشأوا حيث نشأوا في هذه المجتمعات الفقيرة المتدينة التي خبروها وعرفوا فيها معنى الحرمان والظلم والتهميش والإفقار الذي تمارسه السلطات الحاكمة بأمر السادة الرؤوساء وأحزابهم، وتعرف أن الإسلام هو الرحمة لهم والحصن الذي يحصنهم من الضياع في أودية الضلال، وهم مسجلون كمسلمين، ولكنهم يعتبرون الفكر الذي يدينون به هو سلطة ودينا جديدا تجاوز الشوفينية اليهودية الى قتل من لا يقف مع أفكارهم المتطرفة أيضا، فما هو الفرق بينهم وبين داعش إذا؟!.
المعيب في القضية أن المسيئين للإسلام والشتّامين للدين وللدعاة والذين يزجون بالخرافات والأكاذيب في سير بعض العلماء الأجلاّء هم ممن يدعون الثقافة المتحررة والليبرالية والعلمانية، ولكن للأسف هم بعيدون عن ذلك، ففكرهم هو التحرر من قيود المنطق، ومنطقهم هو كل ما يتماشى مع رغائبيتهم، في بهائمية اجتماعية غريبة يعيش بها أولئك الضالون، الذين يقفون دائما مع أي حاكم يقتل خصومه المؤمنون، فهم يؤيدونه بلا تردد، فقط
لأنه يقتل أبناء الدين والخصوم السياسيين.
إن هذه الفئة من المفكرين والفلاسفة والمنظرين والكتاب لا يصنعون شيئا مفيدا للعالم تماما كالمتطرفين في ثياب الدين، وهؤلاء ليسوا سوى دائرة استخبارات الشيطان، يفكرون بعبقرية ويستخلصون الأفكار التي تؤدي الى انحدار أخلاق المجتمع أولا، ودعم التفكك الأسري وعدم سيطرة الوالدين على الإبن أو البنت، ويدعمون التحرر من الدين والأخلاق والتقاليد والمحاذير الاجتماعية ويدخلونها عبر أعوانهم الى المناهج الدراسية، وعبر التلفزيونات وشركات الإنتاج التلفزيوني وقنوات الانحطاط التي تبث من بلاد العرب للأسرة، وكل ذلك لتأسيس أجيال يمكن السيطرة عليها بسهولة من خلال الرغبة والشهوة والتمرد على الصف والجماعة والتراتبية، وبهذا يتفكك أكبر المجتمعات العالمية ترابطا وتكاتفا وهو المجتمع الإسلامي.
الكارثة الكبرى أنه وخلال نصف القرن الماضي لم يشهد العالم مقتل المدنيين في الحروب والنزاعات والثورات كما حدث مع المسلمين، ولم تدمر بلاد غير بلاد العرب والمسلمين، والأكثر ألما أن العرب هم من يتآمر على بعض، فرئيس يضحي بوطن كامل وبمئات آلاف الأرواح ورئيس آخر يبيع شرفه الوطني لأعداء الأمس ويتحالف معهم من أجل الكرسي.
وطبقات من المفكرين والسياسيين وقادة الرأي يدعمون دكتاتوريات القادة ويساعدون على هدم أركان الدولة من أجل تصفية المعارضة والخصوم، ورجال دين أصبحوا أئمة ومحرضون للقتال بمجرد أن أطلقوا اللحى وقصروا الثوب ودون علم لهذا لن يتطور العالم العربي ما دام التحريض ضد الآخر له مدارس علمانية وأصولية متطرفة، فيما تعاني البلاد والعباد من الفقر وسرقة الموارد والقتل بالطوابير، ولا أحد رئيسا ومرؤوسا يريد أن يغير شيئا للأفضل، لهذا لن تنتهي مشكلتنا قريبا.
الرأي