يحدث في لبنان .. "اليوم"!
محمد خروب
10-07-2015 05:38 AM
تتجه الأنظار في لبنان اليوم الى التهديد «المُتبادل» الذي اشهره في وجه الآخر، تيار المستقبل بزعامة سعدالدين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر الجنرال ميشال عون، حيث الأخير اعلن انه سيلجأ الى «الشارع» لاجبار خصومه على التزام اتفاق الطائف الموقع قبل ربع قرن (1989) والتطبيق الحقيقي لمبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين (وهو لم يتم في رأيه) فضلاً عن اصراره (عون وحلفاؤه في حزب الله وحزب الطاشناق الارمني وتيار المردة برئاسة سليمان فرنجية) عدم السماح لمجلس الوزراء باتخاذ اي قرار في أي شأن كان، قبل اقرار بند التعيينات الامنية والعسكرية وعلى رأسها قيادة الجيش.. في المقابل فان التيار الأزرق (المستقبل) يرفض ما يسميه «بالاستقواء» الذي يمارسه عون وحلفاؤه ويرفض ايضاً الرضوخ لمطلب عون تعيين قائد جديد للجيش، إلا في اطار مبدأ «المقايضة»، اي يمكنه تمرير تعيين العميد شامل روكز (صهره) قائداً للجيش مقابل التخلي عن طموحه في منصب رئاسة الجمهورية، وهو أمر يراه عون ابتزازاً، ما دفعه للتصعيد ليس فقط بِشَلّ الحكومة (التي تقوم مجتمعة مقام رئيس الجمهورية الشاغر موقعه منذ عام ونيف) وانما ايضاً في إنزال انصاره الى الشارع وصولاً الى اعلان العصيان المدني.
هي اذاً، انتفاضة (عَوْنيّة) تلوح في الأفق، يصعب القول ان الاطراف «المعادية» لعون وحلفاؤه، ستقف موقف المتفرج، بل ستلجأ اولاً الى الرد عبر مجلس الوزراء بإصدار قرارات بأغلبية النصف زائداً واحداً، وهو امر يتعارض مع الدستور، حيث نصّ على أن مجلس الوزراء «مجتمعاً» يقوم مقام رئيس الجمهورية في حال شغور هذا المنصب، ما يضع الجميع أمام مأزق الانزلاق الى مواجهة على اكثر من صعيد، اولها شلّ الحكومة وربما دفعها الى الاستقالة كي تصبح حكومة «تصريف اعمال»، عندها يصبح لبنان اسير «الشغور» في سلطاته الثلاث، رئاسة الجمهورية مجلس النواب (الذي لا يجتمع بسبب عدم توفر النصاب وان كان رئيسه نبيه برّي أمّن تواقيع لعقد جلسة مقبلة) وحكومة سلام لم تعدْ حكومة قائمة (اذا ما استقالت وبدأت تصريف الأعمال)..
ما يجري في لبنان يأخذ طابعاً اكثر خطورة، واكلافاً مما يتصور البعض داخل بلاد الأرز وخارجها، فهي لم تعد تقتصر على «همروجة» التوافق الدولي والاقليمي على بقاء لبنان «بعيداً» عن تداعيات واستحقاقات الحرائق المشتعلة في الاقليم وخصوصاً في سوريا، بل تجاوزتها الى ما هو في عمق المأزق اللبناني (المعروف) والمتوالي فصولاً منذ اقرار صيغة الدستور قبل سبعة عقود، والقائم في الاساس على «المحاصصة الطائفية» التي أبقت لبنان أسير خطوط وأعراف واشتراطات، تحول كلها دون خروجه من هذه «الهوّة» القابع فيها منذ استقلاله، ورفض امراء الحرب وملوك الطوائف وزعماء الحارات والزواريب والمحاور، فضلاً عن اصدقاء السفارات والقناصل، ادخال اي تعديلات على هذا الدستور او تطبيق بنود اتفاق الطائف والتحرر من المحاصصة الطائفية، حيث المستفيدون منها يقفون بـ»صلابة» ضد أي تغيير يمكن ان يجري عليها، لانهم سيفقدون مكاسبهم ويخسرون القواعد التي اقاموا عليها تجارتهم الطائفية والمذهبية وانحيازاتهم الاقليمية وتبعيتهم لهذا المحور او ذاك.
سيدخل لبنان اليوم مرحلة جديدة ولكن اكثر خطورة مما سبق، حيث لن يتراجع أحد من الاطراف التي «أعْلَتْ» سقوفها..عن مواقفه، وبالتالي فإن «التحدي» سيأخذ مداه، في خطوة يُراد من ورائها «كسر الآخر» وليس التفاهم معه او الالتقاء على حلول وسط وفق العبارة التي نحتها صائب سلام (والد رئيس الحكومة الحالي المحسوب على او «رجل» سعد الحريري، تمام سلام) «التفهم والتفاهم». سقطت هذه العبارة في المستنقع اللبناني، الذي لم يعد زعماؤه في وارد القبول بالخروج من مآزقهم بصيغة «لا غالب ولا مغلوب».. بل كلهم في انتظار ما ستؤول اليهم المواجهات الاقليمية المحتدمة في سوريا والعراق وخصوصاً اليمن وليبيا (لا تنسى مصر) فضلاً عما يمكن ليوم غدٍ الجمعة، بما هو اليوم الاخير لماراثون الملف النووي الايراني، أن يحمله في هذا الاتجاه او ذاك.
يبقى الجنرال عون، رغم غضبه الواضح وعصبيته واللغة الاستفزازية التي يستخدمها احيانا دون تروٍ، اكثر زعماء لبنان صدقاً مع نفسه وتعبيراً واضحاً عما يجول في خاطره ورغبة في تسمية الاشياء باسمائها، وهو اكثر مبدئية من أي زعيم لبناني، في التزام ما يتعهد به، ولنتأمل في هذا التصريح الذي أدلى به وما يفيض به من صراحة «.. نصحني السفير الاميركي في العام 2007 بالابتعاد عن حزب الله فأضمن الرئاسة، بعدها قمت بمفاوضات مع الرئيس سعد الحريري في فرنسا، وقد اسمعني الحديث نفسه لكي ابتعد عن حزب الله. أجبت الجميع آنذاك–والكلام ما يزال للجنرال–بأن الوحدة الوطنية اهم من رئاسة الجمهورية، لذلك مَنْ يَقُلْ اليوم، انني أفعل اي شيء لكي أحصل على رئاسة الجمهورية فهو.. مخطئ».
هل اتضّحت الصورة والأسباب.. الان؟
الرأي