قديش صحبه انا وهالبيرعشاق نحنا من زمان كتير
وغماق شو في سرار مطوية بقلوبنا ودموع ومشاوير
انا وهالبير
اغنية وديع الصافي عادت الى الذاكرة عندما شاهدت الجدة الفلسطينية من قرية "ام الزينات" قرب حيفا على شاشة "الجزيرة" تحني هامتها وتطل داخل بئر اهلها المهجورة في القرية المحتلة من عام 1948 وتخاطب البئر قائلة: " يا بير ما احلى مياتك" فيتهدج صوتها وتتحول الحشرجة الى بكاء كما بكاء الاطفال, تسقط الدمعة الساخنة من حالق فترتطم بما بقي من ماء البئر العتيقة فتحدث ضجيجا وتموجات وارتدادات لا يحدثها سوى سقوط حجر كبير غاضب..
انعش المشهد ذاكرة الجدة فعادت لها طفولتها فنطقت حنينا لا يوصف بجماله وصدقه وحزنه وعذوبته, رغم بقايا العمر وهموم الدهر وحطام الدار وشتات بستان اللوز والتوت وكرم التين والزيتون حول المساحة المهجورة الا من الذكريات.. تلك الشجيرات الشائخة الشائحة بوجهها نحو الشمس مات بعضها واقفا وانحنى ضعيفها للريح وتمرد بعضها الآخر فصمد في وجه الفناء يعاند عوامل الزمن ويقهر ظروف الاحتلال وقساوة الاحوال الجوية..
هناك في ساحة الدار, وحول البئر, كانت تعقد حلقات السمر وتُسْرد فيها احاديث الحصادين وتحكى روايات الجدات تحت ضوء القمر في ليالي صيف "ام الزينات" وقرى الجليل قبل 60 عاما, هناك حيث جلست الجدة تكفكف دموعها وتلملم بقايا الذاكرة بما حملت ايام الصبا من احلام جميلة ندية كما لحظات فجر رطب, هناك ترعرعت زينة "ام الزينات" فرحت, غضبت, حلمت, حزنت, احبت الدار والديرة قبل احتلال الوطن وهدم بئر الذكريات مخزن الاسرار وتشريد الاهل حيث تحولت الصبية الى لاجئة مشردة غارقة في بحر الذكريات تتوقد شوقا للماضي وتعاني من ايام وآلام المنفى وعذاباته..
واليوم, في الذكرى الستين لاغتصاب فلسطين نرى جيل الاجداد والاباء يزحف نحو الذاكرة ويدق جدار الخزان بقبضته ويسلم "المفتاح" الرمز لطلائع الاجيال الواعدة من اجل ديمومة الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني وفي طليعتها اولى الوصايا وهو حق العودة, رغم اجواء الهزيمة السائدة ومشاعر الاحباط العام في طول الوطن العربي وعرضه في غياب المشاعر الوطنية الجماعية والالتزام القومي المشترك في مرحلة تاريخية مصيرية...
العرب اليوم .