مَنْ يُرِيدُ خلافةً إسلامية؟
باسل الرفايعة
07-07-2015 03:59 PM
الأرجح أن الناس يريدون مصالحهم دائماً. والأوضح أن الخلافة تعيش في أحلام عرب ومسلمين، على نحو مثالي، بعدما أغمضوا عيونهم تماماً عن ذلك التاريخ المكتوب في الهامش، وعاشوا زهواً زائفاً بتاريخ رسمي، كتبه موظفون محترفون في بلاط الخلفاء، مع أن كل إنجاز مشرق في تاريخنا تحقق في ظل حكم برغماتي، تطلع إلى الفعل الحضاري المنتج، والتثاقف مع الآخر وفهمه، منذ انتهاء الخلافة مفهوماً وممارسة، ثم بقائها مجرد فولكلور يغري العامة.
دامت الخلافة الإسلامية نحو 30 عاماً فقط، إلى أن آلت الأمور إلى رجل مثل معاوية بن أبي سفيان، الذي ورّث الخلافة لابنه يزيد، ليبدأ عصر من الشمولية في الممارسة السياسية بالمعنى الحديث لإدارة السلطة، والشهوة في بقائها، ولتأخذ الدولة شكلاً ومضموناً صريحين في بناء ذاتها، وتركيب عناصرها، على قاعدة الصراع من أجل الديمومة.
لم تصمد الفكرة، التي تعيش مع بعضنا الآن، أكثر من ثلاثة عقود فقط في الماضي. نجحت لاحقاً الميكافيللية في مد الجغرافية الإسلامية أبعد من حدود الدولة القومية، فنشطت العلوم والترجمة، وكان لدينا علماء ومفكرون ثوريون، ثم كان ما كان من تخلٍّ وتفكيك وسقوط.
على أية حال، لا أحد يملك رواية يقينية للتاريخ، أما نحن الأحياء فقد عشنا في العقود الماضية محاولات يائسة وبائسة لإحياء الخلافة، يشهد عليها تحالف «القاعدة» و«طالبان»، من أجل دولة للشريعة، لم تجد تجلياً لشرعيتها إلا في منع النساء من التعليم، وقصف التماثيل والمنحوتات بالمدافع، وتحريم الموسيقى والسينما.
هكذا قامت الخلافة من تحت رماد العصور، وهكذا صدّرت عشرات التنظيمات الإسلامية السياسية خطابها الحالم، ثم فشلت جميعها في إعادة القرن الـ21 إلى الماضي التام.
على أن تنظيم «داعش»، المولود في اليأس، وجد أن اليأس من الخلافة هو ألدّ أعدائها، فأعلن دولة، وبايع خليفة، ثم أراد تطبيق الشريعة، فقتل، وجلد، ورجم، وسبى النساء، وفرض الجزية على المسيحيين، ورأى أن من أهم قواعد الخلافة أن يُفصل بين الطالبات والطلاب في الجامعات، وأن يُغيّر اسم كلية «الفنون الجميلة» في جامعة الموصل إلى كلية «الخط والزخرفة» بعد تحريم التمثيل والرسم، وتجريم كل فن يسجل ما في الحياة من جمال واختلاف وتنوّع.
الخلافة تبدو مستحيلة الآن، وتطبيق الشريعة يبدو أكثر استحالة. العالم لن يقبل رجم النساء والرجال، ولا قطع الأيدي والأرجل. يقبل فقط قانوناً مدنياً، يراعي محاكمات عادلة، وحقوقاً أساسية للإنسان، أولها حقه في الخطأ، وحقه في عقوبة مناسبة. لا يمكن إجبار المسيحيين أو اليهود على تغيير دينهم تحت طائلة القتل، أو دفع غرامة شهرية، تحت مسمى «جزية». فحرية المعتقد أمر لا جدال فيه وحوله، وفي المقابل يكفل العالم حق من يريد من المسيحيين أو اليهود أو البوذيين أو الهندوس اعتناق الإسلام، دون أن يُصبح في حكم القانون مرتداً يجب قتله.
من يُرِدْ خلافة الآن لن يبلغها إلا إذا كان فيزيائياً فذاً، يصنع آلة عجيبة تعيد الزمن، وعوضاً عن تجريب هذا المستحيل، فإن مطالبنا بسيطة جداً: دولة نعيش فيها أعمارنا القصيرة، بقوانين أرضية، تحترم إنسانيتنا، وأخطاءنا، ويذهب فيها أولادنا وبناتنا إلى المدارس، ونذهب معهم دائماً إلى الحياة.
* مقال كتبته قبل أشهر. أعيدُ نشره، مع اتساع خرافة داعش والدواعش..