بين التدين الشكلي والتدين الحقيقيياسر زعاتره
07-07-2015 05:30 AM
خارجان من صلاة الفجر، ويحدث أحدهما الآخر عن شرائه سيارة، وكيف ابتز صاحبها في دائرة السير واضطره لتنزيل السعر قبل التنازل مستغلا أن الرجل لن “يلغي البيعة” لأجل مئة دينار أو قال أكثر. لا أدري. يريد أن يصلي في المسجد صلاة الجماعة، ولكنه لا يجد بأسا في أن يغلق بسيارته الطريق على آخر، أو يوقفها على باب كراج لبيت من البيوت. وإذا جئنا نعدد قصصا من هذا النوع، فسنضيف صفحات وصفحات، تعكس المسافة الفاصلة بين التدين، وبين ترجمته واقعا في السلوك اليومي، مع أن الأخلاق هي جوهر الدين. نعم، في سياقات كثيرة مشابهة يمكنك العثور على كثيرين يحرصون على صلوات الجماعة، وعلى العمرة السنوية في رمضان أو سواه، وقد يقاتلون من أجل الحصول على تأشيرة حج بأية طريقة، لكنهم في حركة حياتهم وتعاملاتهم لا يعبرون عن روح الدين وجوهره الحقيقي من حيث هو اهتمام بالناس الآخرين وشؤونهم من عدل ومساواة وحقوق أخرى، وصولا إلى الاهتمام بالأمة وقضاياها. يعلم هذا الذي يقاتل من أجل تأشيرة حج كل عام أنه يسرق بذلك حق حاج آخر، إن لم يكن مباشرة من خلال ذات التأشيرة التي ينبغي أن تذهب إلى سواه، فبطريقة غير مباشرة حين يأخذ في المناسك مكان حاج آخر، أو يزيد في الزحام الذي يصعّب المناسك على من تبقى من الحجاج. من المؤكد أن مصدر هذا التدين الأقرب إلى الطقوس منه إلى الروح التي تتبدى في سلوك الإنسان، إنما يعود إلى شكل من أشكال الفقه أو الفكر الذي يتعامل مع الحسنات والسيئات بمنطق الحساب، لا بمنطق الدين الذي يعيد صياغة حياة الإنسان بروحية إسعاد المجتمع الذي يكفل بعضه بعضا ويقيل بعضه عثرة بعض، ويدافع عن نفسه ضد الظلم والتمييز. إذا كانت المجاهرة برفض الظلم مرفوضة بحسب هذا الفكر، فضلا عن التصدي له استنادا إلى حديث أو فهم له يخالف عشرات الآيات والأحاديث التي تطالب بالتصدي للظلم ودفعه، كما يخالف روح الإسلام الذي كان ثورة على الظلم والعبودية، فإن من الطبيعي أن يميل الناس إلى تحويل الدين إلى مسألة فردية لا صلة لها بالآخرين، ومن ثم التعامل مع الله عز وجل بروحية الأرقام، أو بروحية المظاهر، تماما مثل ذلك الذي يريد أخذ أجر الصف الأول في المسجد عبر مزاحمة الناس وتخطي رقابهم!! لقد تسامح الله عز وجل مع التقصير في جنبه سبحانه (خلا الشرك)، بينما لم يفعل ذلك مع المسِّ بحقوق الناس والمجتمع، بدليل الشهيد الذي يغفر له كل شيء إلا الديْن، لأنه حق من حقوق العباد، وبدليل أن جميع الحدود ذات صلة بالجرائم التي تمس حرمة المجتمع وأمنه (السرقة، الزنا، القذف، القتل)، بينما تتعلق أكثر الكبائر بالآخرين (الخمر، عقوق الوالدين). لقد حوّل هذا الفقه الظاهري، بل القاصر في بعض تجلياته، الدين إلى طقوس خارجية، تتعلق بالمظهر، بما في ذلك الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه، حيث يحولها إلى مجرد أشكال تفتقدالروح (كم من الكتب تتحدث عن الأشكال والحركات، بينما تتجاهل مسألة الخشوع فيها، كما ذهب المفكر المعروف روجيه (رجاء) جارودي)؟! أين البحث عن التكافل والعدالة ومواجهة الظلم في وعي كثير من المتدينين، وأين حقوق الناس الآخرين، لا سيما الفقراء، وأنت تعثر على مليونيرية يحجون ويعتمرون سنويا، بينما يبحثون عن أي فتوى شاذة يتهربون من خلالها من دفع زكاة أموالهم، لا سيما في قطاع الأراضي والأسهم وسواها، فضلا عن تتبعهم لذات الآراء الشاذة في سياق تبرير جمع الأموال بطرق لا تمت إلى روح الدين بصلة. المتدين الحقيقي ليس هو الذي يتخذ الأشكال الخارجية ويُكثر من العبادات فقط، بل هو الذي يتمثل أخلاق الإسلام في كل سلوكه. هو الذي يسعى في حاجات الناس وصلاح المجتمع، ويدافع عن الحق والعدل، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينخرط في كل نشاط يرفع من قيمة الإسلام والمسلمين. ومن لم تدفعه عباداته إلى مزيد من الإيجابية في حياة مجتمعه وأمته، فإن تدينه شكلي لا روح فيه. - |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة