الأردني بطبعه انسان عاطفي إذا أعجبه عمل تلفزيوني يتفاعل ويعيش معه بكل تفاصيله، والمسلسلات البدوية تحديداً لها وقع خاص وحصة ومتابعة غير طبيعية في حياة ووجدان وفطرة المواطن الأردني.
مثلاً لاحظ كيف يمتعض «الختيار» وهو يشاهد فليّح الخايس أثناء تلصصه على بنت الشيخ وهي تمشّط شعرها في «المحرم» ، أول كلمة ينطقها لا شعوريا «اخص يا الساقط» ويضع الوسادة في حضنه قهراً ويبدأ يتلمس جيوبه بحثاً عن باكيت دخان للتعبير عن فورة الدم ... وفي مشهد آخر عندما يتم إلقاء القبض على من سرق فرس الشيخ عقاب لاحظوا الفرحة بعيون «الختيارية والعجايز» وكلمات الثناء التي تنهال على عايد المظلوم وابن «المرة القديمة» وغيرها الكثير الكثير التي تحاكي فطرة الأردني البسيط..
أحد الأصدقاء قال لي أن الفنان "روحي الصفدي" خلّى أبوي ينعمي... سألته: كيف؟.. فشرح لي ان والده رجل عاطفي جداً .. كان كلما شاهد الفنان الصفدي يجلي عن ديرته ظلماً، أو يربط بحبال ويرمى بحفرة عقاباً له على تهمة باطلة ،او يسلب ماله وحلاله جوراً، أو كلما انشد ابياتا عن ديرته شوقا لها كان ينفلت الوالد بالبكاء بكل ما أوتي من حزن وتعاطف على حال "روحي"... ولأنه يعشق تمثيل الصفدي جداً ، فقد كان يتابعه في كل مسلسل يبث على التلفزيون الأردني أو شاشة عربية حتى «انعمى» الحجي تماماً...!.
**
المتابع للدراما العربية في رمضان يلاحظ عودة الدراما المصرية بعد خفوتها لعدة سنوات لتنافس الدراما السورية .. أما الخليجية فما زالت تحافظ على حصتها عند المشاهدين المعتادين.. لكن يبقى المقلق تراجع وربما غياب المسلسلات البدوية الأردنية عن المشهد كما كانت في السابق.. ومن حق المشاهد الأردني ان يسأل وين راح البدوي..؟؟
صحيح أن الفنانين الأردنيين -كما قال احدهم - تقدّموا بالعمر ولم يعد باستطاعتهم ركوب الخيل او قيادة الغزوات كما هو الحال قبل ثلاثين عاماً.. وصحيح ان الحلال الموجود في السوق كله «روماني» ولم يعد هناك خرفان بلدية الا ما ندر... وصحيح ان القطاريز صاروا بالمئات وهناك تنافس محموم ومقابلات شخصية وامتحان تحريري للظفر في مهنة «سكب الفنجان».. وصحيح أن الهنوف لم تعد تحتاج الى الذهاب في الشوب لعين الماء حتى تلتقي حمد بحجة تعبئة «القربة» وسقي الفرس... فشركات الاتصالات صارت تمنح 5000دقيقة مجانية شهريا «والواتساب» يعمل حتى داخل «الشق و المحرم» وما ستقوله هناك صار متوفر أناء الليل وأطراف النهار وبس ينام الحجي دون حاجة لمغامرة الخروج... لكن يبقى سؤالنا مشروعاً وين راح البدوي؟؟
ترى هل ثمة علاقة بين تراجع الدور البدوي في الشاشة العربية وتراجع دورنا العربي؟!... نريد أن نعود «واسطا» للبيت.. نريد ان نعود الى «العمود».. فدور «تامر يا عمي» لا يناسبنا ابداً.
الرأي