هؤلاء استأثروا "بالكعكة" .. !!
حسين الرواشدة
05-07-2015 03:37 AM
يبدو الحديث عن تحييد «الجغرافيا» في بلادنا مجرد ترف سياسي لا يتناسب -اطلاقا- مع واقعنا المعيش، وخاصة اذا كانت المسألة تتعلق بتوزيع المكتسبات التنموية او المحاصصات الوظيفية او غيرها، ومن الاسف ان المعايير الصحيحة لاختيار الكفاءات او لاقامة المشروعات الاقتصادية ما تزال غائبة، كما ان الفرص المتاحة نسبيا والاضواء الساطعة التي تحتكرها المراكز تجعل الكثيرين في الاطراف على الهامش دائما، وتدفعهم اما الى الهجرة -وهي حقيقة مفزعة لم ترصد بالشكل المطلوب- او الى الشعور بالخيبة والاحباط ثم الانسحاب والعزوف عن المشاركة في الحياة العامة ، ان لم نقل الاحساس بالقهر والغبن وما يتولد عنهما من امراض وانحرافات.
في اقليم مثل الجنوب ما يزال الناس يتساءلون بمرارة عن مغزى هذا الاهمال الرسمي والمجتمعي لمشكلاتهم وحاجاتهم، وعن تلك السياسات والتوجهات التي لا تلتفت كثيرا اليهم، ولا تحاول الاجابة عن معاناتهم، ولدى هؤلاء الناس عشرات الامثلة لمثل هذا التجاهل، ابتداء من افتقار معظم مناطق الجنوب لمشروعات تنموية واقتصادية حقيقية، الى زيادة البطالة بين صفوف ابنائهم، الى تدني الرعاية الصحية المقدمة اليهم، وليس انتهاءً بغياب المؤهلين منهم عن الوظائف العليا وعدم شمولهم بخطط الامان الاجتماعي، او النشاط الثقافي او غير ذلك من تفاصيل المكاسب التي تحظى بها مدن كبرى كالعاصمة والمدن الاخرى.
للتذكير -فقط- فإن دراسة واحدة كتلك التي قام بها مركز الدراسات الاستراتيجية عن ازمة معان تكفي لدفع المسؤول الى قراءة واقع هذ الاقليم، والتوقف عند مشكلاته، والسعي لتطويق ما تراكم من ازمات فيه، لكن الحصيلة ان شيئا من هذا لم يحدث، وان التعويل على ردع الناس بالوسائل الامنية، وتلهيتهم بالوعود، وتجاوز قضاياهم بحرفها عن جذورها الحقيقية، واقناعنا بأن ما حدث، وما يمكن ان يحدث، يتعلق بانحراف البعض او تطرفهم، قد انتهى كما نرى الى تراكم الازمات والاحتقانات بدل العمل على حلها، فيما لم يفكر احد بأن خطأ السياسات وبؤس القرارات، وسوء مواجهة مطالب الناس، وإهمال حقوقهم ووضعهم على الهامش هو المسؤول الاول عن هذا النزيف والانفلات وما قد ينجم عنهما من تطرف هنا.. او محاولة للانتقام هناك.
لا اتحدث -هنا فقط - عن تقسيم المغانم الوطنية -اسوة بتحمل المغارم وتقديم التضحيات-، ولا عن الجغرافيا كمعيار للانتماء او غيره، ولا ايضا عن اسماء اشخاص «بلعوا « معظم الثروة واستأثروا بالاستثمار وبالمناصب والمواقع ، واثروا على حساب جوع الاخرين (بالمناسبة لا يزيدون عن عدة الاف) وانما اتحدث عن المواطنة التي يجب ان يستوي فيها الناس امام موازين العدالة والمساواة، وعن المعايير الحازمة التي يفترض ان تلتقي عليها الكفاءات الاردنية، بعيدا عن الاعتبارات الشخصية والمنفعية ودعاوى تجميل الصورة الوطنية للخارج، كما اتحدث عن ما يشبه التصميم والنوايا المسبقة لابقاء مناطق بعينها، وهويات لذاتها، بعيدة عن الاهتمام، وعن دائرة القرار، وعن المشاركة الفعلية في الحياة العامة، فيما تحظى مناطق اخرى، ونخب معينة، بحظوظ لا تتناسب مع كفاءتهم، وينتفعون -كما شاءوا- بخيرات البلد دون غيرهم، وسط غياب مفجع للاسس والمعايير -لا بل والقوانين- التي يفترض ان تسود في بلد يعتز بتنوع سكانه، ويرفع شعار المساواة و الاسرة الواحدة في كل مناسبة.
باختصار، ادعو الى فتح ملف الاقاليم المهمشة والناس المهملين، لا في الجنوب وحده، وانما في غيره من المناطق الاردنية التي ما تزال غائبة عن اهتمام المسؤول، كما ادعو -وبحرارة- الى قراءة ومراجعة خرائطنا التنموية والوظيفية وغيرها لنتأكد بأن هذه المناطق ما تزال محرومة من كثير من المكتسبات التي تستحقها، وما يزال ابناؤها مغيبين عن المواقع المؤثرة، وما تزال حصتها الوطنية موزعة على اطراف اخرى.. تكاد تستأثر بالكعكة كلها دون ان تتفقد غيرها بقطعة واحدة ..!!
الدستور