يتبادر لدى البعض تساؤلات عدة تثار حول مسار الاصلاح السياسي, وان كانت اولويتنا الوطنية تتجسد بضرورة الاسراع بالاصلاحات السياسية فلماذا نلمس تباطؤاً في الاصلاح على الصعيد التشريعي والممارسي, وما زلنا حتى اللحظة لم نتعايش ماديا مع ماهية هذا الاصلاح ولم نرَ سارية الاصلاح حتى يومنا هذا على الرغم ان اجندة الاصلاح السياسي نجدها حاضره في كافة كتب التكليف السامي الموجهه للحكومات, الا ان اي حكومة لم تأخذ من الاصلاح نهجا حقيقيا لسياساتها العامة, وبقي يراوح مكانه ويتموضع من حكومة لاخرى, هل السبب في عدم جدية الحكومات بالاصلاح, كيف ذلك وكل حكومة تحاول جاهدة ان تخلد ذكراها في الذاكرة السياسية الأردنية, وكل حكومة تواجه منذ اليوم الأول لتشكيلها موجة مطالب نخبوية واجتماعية بالاصلاح ومطالبة بتغيير الوضع السياسي القائم, اذا مع كل ذلك اين نستطيع تلمس مكامن الخلل حول تباطؤ وتيرة الاصلاح السياسي؟
على المستوى التنفيذي, فان المتتبع لمسار التكليفات الحكومية يجد بوضوح العين اهتماما برجال الدولة من ذوي الخبرات الاقتصادية وتمسكا بالبيروقراطية المدنية والعسكرية وانحيازا للاجيال السابقة, فمفرزة رؤساء الوزراء بعيدة عن تشكيل حكومة تعطي الاصلاح السياسي اولوية او اختصاصا بحد ذاتها, ذلك يجعل كل حكومة تعيد ما قاله سلفها عن الإصلاح دون أن يكون هناك اختلاف, وهذا ما جعل كثير من النخب التي أتيحت لها فرص الحكم والإدارة والقرار في السنوات الأخيرة من اغفال الخط الإصلاحي.
سنلحظ غياباً للشخصيات ذات المرجعية السياسية الاصلاحية القادرة على ادارة الاصلاح بنهج فكري تراكمي, ومنذ العام 1999 وبدءا بدولة الدكتور عبد الرؤوف الروابدة الذي استلم اربع حقائب وزارية وكان رئيس مجلس ادارة كل من الفوسفات والاسمدة, ودولة علي ابو الراغب فبالاضافة لكونه عضوا في مجلس امانة عمان الكبرى فهو ايضا رئيس اللجنة المكلفة لإقامة المنطقة الاقتصادية الخاصة في مدينة العقبة ومدير وشريك في الشركة الوطنية للهندسة والمقاولات, اما دولة السيد فيصل الفايز فقد تدرج في البيروقراطية الادارية لوزارة الخارجية تبع ذلك عمله في الديوان الملكي الهاشمي وتدرجه في دائرة التشريفات الملكية حتى عين رئيسا عليها, اما دولة الدكتور عدنان بدران فقد شهد عليه انه رجل علم بامتياز نتيجة للمهام والانجازات المذكورة له على الصعيد التعليمي في المملكة, اهله ذلك لحمل حقيبتين وزاريتين قبل ان يكلف رئيسا للوزراء, خلفه دولة الدكتور معروف البخيت المتقاعد برتبة لواء ركن من القوات المسلحة ومديرا للأمن الوطني ومديرا لمكتب جلالة الملك, كما وافرزت القوات المسلحة دولة الدكتور علي ابو الراغب نائب رئيس هيئة الأركان الجوية للدعم اللوجستي, اضافة الى تراكم الخبرة الادارية والاقتصادية لديه كرئيس ومدير تنفيذي للخطوط الملكية الاردنية, ووزيرا لحقيبتين ورئيس منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة, تبعه دولة السيد سمير الرفاعي والذي تراكمت خبراته داخل الديوان الملكي الهاشمي, اضافة الى تعيينه رئيسا تنفيذيًا لشركة الأردن دبي كابيتال, اما دولة الدكتور عون الخصاونه فالى جانب تدرجه داخل بيروقراطية وزارة الخارجية فقد شغل مهامها في الديوان الملكي الهاشمي, تبعه في رئاسة الوزراء دولة الدكتور فايز الطراونة الذي ادى مهامه كمساعد لرئيس التشريفات الملكية ومن ثم وزيرا لحقيبتين ورئيسا لمجلس ادارة ثلاث شركات ورئيسا للوزراء للمرة الثانية, واخيرا وليس اخرا دولة الدكتور عبد الله النسور الرجل ذو الصبغة الاقتصادية البحتة المتولي لثماني حقائب وزارية وعضوا في مجالس ادارة عدة شركات اضافة الى مناصب اخرى.
اننا لسنا بصدد الحكم على رجالات وقامات خدموا الاردن وسطروا لهم اسما في انجازاتهم المستحقة بالشكر عليها, الا اننا نناقش المستوى الفكري ونخص هنا الفكر السياسي الاصلاحي والذي يشكل الجانب الاكثر اهمية وحساسية, فان الوقوف على نمطية المرجعية الفكرية من جوانبها المتعددة لدى رؤساء الوزراء في الآونة الأخيرة قد يوضح الكثير من أسباب تعثر المشروع الاصلاحي الأردني, والغالبية الساحقة من الأخطاء الرسمية كان سببها أدوات في مستوى المسؤولية لا يدركون ماهية الإصلاح ولا يعرفون كيف يكون المرء إصلاحيا, وبما ان التشكيلات الوزارية ذات طابع تكنوقراطي حتى اللحظة, فاننا بحاجة الى شخصيات من نوعية سياسية تصب خبراتهم وتتراكم في المسائل السياسية البحتة, توجد حكومة ذات أفق واختصاص إصلاحي ، تمتك المعرفة التاريخية العميقة في المجالات السياسية البحته والاصلاحية, فالإصلاح يصنعه الإصلاحيون والديمقراطية ينتجها الديمقراطيون.
ان الدلالة المستخلصة ان الدولة تعطي الاصلاح الاقتصادي اسبقية على نظيره السياسي, الا إن أسبقية اصلاح قطاع عن الآخر هي جدلية متموجة في حركتها التاريخية، فالاصلاح السياسي يتقهقر خلف الاصلاح الاقتصادي الذي غالباً ما تحكمه مصالح عمياء أو ضيقة، وبناء عليه، أن الإصلاح الاقتصادي، يحدث كنتيجة طبيعية للإصلاح السياسي، الذي يتطور عبر صناديق الاقتراع والانتخابات، والحكومات البرلمانية.
وتبقى النقطة الأكثر اهمية تتمحور في تجسير الرؤية بين ذهنية الحكومة و الذهنية الشعبية الذي يمر بحالة من التباعد في الرؤى المتعلقة بمفاهيم الاصلاح السياسي, فإن الاصلاح السياسي وجهان: وجه اجتماعي ووجه مؤسسي، والربط بينهما يعبّر عن مصلحة اقتصادية، وهذا يشكل نقلة موضوعية في مجال الاصلاحات السياسية.