كثير من مشاكلنا المتفاقمة في أغلب الأقطار العربية والإسلامية منشؤها الصراع على السلطة، وإن حاولنا البحث عن سجال فكري أو جدل سياسي، ولو تم التدقيق وإنعام النظر في الصراع المحتدم سنجد - بكل تأكيد- أن السبب الرئيس لهذا الاشكال يتمحور حول هذه المسألة، وكل فريق يريد أن يستأثر بالسلطة سواء عن طريق صناديق الاقتراع أو عن طريق القوة والعنف، وكلاهما يحاول البحث عن غطاء شعبي.
في تركيا لم يستطع حزب العدالة والتنمية حسم المسألة عن طريق الانتخابات، ولذلك وجدت قيادة الحزب نفسها أمام مراجعة ضرورية للمسار السياسي، وهناك رأي جريء يطرح الآن لديهم بأن الحل يكمن في القدرة على بناء ائتلاف موسع لإدارة الحكومة، وهذا الائتلاف يجب أن يتسم بالمرونة ليكون قادراً على استيعاب الخصوم السياسيين، لذلك تم اقتراح بناء تحالف مع حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي أسسه «كمال أتاتورك» في أوائل القرن المنصرم، وكان يهدف إلى حماية نظام الدولة العلماني بشكل صارم، بينما حزب العدالة والتنمية يقوم على جذور إسلامية، ولكن الحزبين أدركا تماماً أن مصلحة تركيا في هذه الظروف تحتاج إلى اجتماع هاتين القوتين رغم الاختلاف والتباين في الجذور الفكرية.
هذا الإدراك من قيادة الحزبين للمصلحة العليا للدولة التركية والشعب التركي التي تسمو على المصلحة الحزبية، هو مفتاح الحل، ويمثل خطوة جريئة وعاقلة ، حيث أن الأحزاب المتعارضة تلجأ عادة إلى تشكيل الحكومات الوطنية عند استشعار الخطر الكبير الذي يهددهم جميعاً.
ما ينطبق على تركيا ينطبق على معظم الأقطار التي تعيش تحت وطأة الانقسام والاحتراب الداخلي، إذ لا سبيل للاستقرار من خلال ذهاب قوة منفردة إلى احتكار الحكم والسلطة والعمل على إقصاء المنافس وتحطيمه وتهميشه وتشويهه سياسياً وشعبياً، فهذا طريق قصير ولا يستند إلى رؤية سياسية صحيحة ولا ينبثق من انتماء وطني حقيقي من خلال النظر إلى ما يجري في مصر أو ليبيا أو اليمن، أو حتى سوريا والعراق، نجد أن المشكلة الجوهرية تتمحور حول ذهاب طرف محدد للاستفراد بالسلطة، ولا يريد أي نوع من الشراكة السياسية، ويحاول أن يستخدم كل ما يملك من أدوات قوة للاحتفاظ بالسلطة ولو أدى إلى تحويل البلاد إلى ساحة معركة دامية.
الحل يكمن بالذهاب إلى بناء ائتلاف سياسي موسع، يضم الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة، والأطراف المؤثرة في العملية السياسية مهما كانت درجة التباين السياسي، والاختلاف الفكري، والحل ينبغي أن يكون داخلياً منبثقاً من فكرة وطنية داخلية، ويقع العبء في جعل هذا الموضوع سهلا وممكناً على صاحب السلطة الفعلية، بمعنى آخر أن صاحب المسؤولية الأولى في هذا الشأن هو الحزب الحاكم، أو النخبة الحاكمة في حالة غياب الحزب.
المبادرة الناجحة تأتي دائماً من الطرف الأقوى والأكبر، إذ يتحمل النسبة الكبرى من مسؤولية البحث عن حل وطني، يضع حداً للدماء والفوضى في بلاده، وهنا ينبغي استذكار ما حدث في الحزائر التي ضربتها الفوضى ووقعت تحت مطارق العنف مبكراً، قبل جميع الدول العربية، واستمرت الحرب الأهلية ما يقارب العشر سنوات، ولم تتوقف إلّا عبر إعلان الرئيس الجزائري عن مصالحة وطنية كبرى.
الزعماء العرب الذين ما زالوا في قمة المسؤولية في هذه الأقطار التي تتعرض للفوضى بحاجة إلى خطوة جريئة وشجاعة تتمثل بإعلان مصالحة عامة، والدعوة إلى بناء ائتلاف موسع لانقاذ البلاد، وعدم الاسترسال في تجارب العنف الفاشل، وربما تكون مصر أحوج البلدان العربية للقيام بهذه الخطوة الضرورية.
الدستور