بداية أصبح من المسلم به لدى الرأي العام والنخب بان هذه الحكومة باقية حتى رحيل مجلس النواب، وأنها عصية على النقد والتقييم لأنها عابرة للازمات وتغولت على المؤسسات وطغت على كل اللوبيات وتخلدت لمواجهة الأزمات.
فإذا سلمنا بهذا الرأي فاسمحوا لنا بحق النقد والتقييم مع الدعاء ببقائها الى ما شاء الله ، ويعلم الله بأنني لست من هواة نقد الحكومات والبحث عن الأخطاء وأعلم أن حكومة عبدالله النسور قد لاقت من النقد والتجريح ما يكفيها ، ولكن من دواعي الحرص والانتماء على هذا الوطن العزيز بضرورة التوقف ملياً عند ما اعتقد بأنه بعض الملاحظات الجوهرية بأداء حكومة دولة عبدالله النسور.
فالرئيس لمن يتابع يعلم بأنه رجل متفان ذهنيا ووقتا ويصل الليل بالنهار للقيام بواجبه ولكن العبرة بالنتائج والأثار الملموسة لأي تقييم فمن أول أوليات الإدارة بأن أي مؤسسة أو هيئة حكومية أنه لا يمكن أن تدار من قبل فرد واحد أحد .
فهذه الحكومة – غير المؤسسية – لا يوجد بها غير وزير واحد لكل المهمات وهو دولة عبدالله النسور الاكرم حرصا منه على متابعة كل كبيرة وصغيرة مما يختزل أداء الحكومة بشخص الرئيس وإندفاعه وحماسه أو فتوره ، فباستثناء وزارة الخارجية التي لها حسابات مختلفة لا نكاد نجد أو نسمع بأي وزير يتصدى للتعبير عن سياسة هذه الحكومة وبرامجها والدفاع عن أخطائها وتبني رؤاها والوقوف عند التحديات والمستجدت لهذه الحكومة ويتولى تقديم مواقفها .
وحتى هذا الدور نكاد نراه يتلاشى بالأزمات والمنعطفات الحساسة للدولة وخصوصا الأمنية والسياسية مثل قضية الرمثا او التعزيم أو قضية معان ومثلها التعليم العالي والفريق الحكومي بلا استثناء موظفون بدرجة وزير وعند استعراض أداء أغلبهم جميعاً لا تكاد تجد أي منهم قادراً على إغاثة دولة الرئيس في إدارة شؤون الحكومة .
فأين هم الوزراء القادرون على تقديم برامج الحكومة والدفاع عن مواقفها وتبريرها ، وأين هم الوزراء القادرون على تحقيق التواصل مع المواطن وقضايا الوطن وأن يعبروا عن الحكومة ويقدموا نموذج إيجابي لتمثيل هذه الحكومة تحقيقا لرؤية جلالة الملك المعظم . وأين هي نتائج وحدة تقييم الحكومات الموجود في الرئاسة وتحقيق معاييير الشفافية في إطلاع المواطن على نتائجها ، لن أتوقف طويلا عند مئات الوعودات التي أطلقتها الحكومة ورئيسها منذ تشكيلها وربما مستر غوغل يغنيني عن هذه المهمة ، وحجم البطالة المستشري والضغط اقتصادي وزيادة المديونية ، فمن غير المنطقي أن تكون أية مشكلة بحاجة إلى أن يتقدم فقط رئيس الوزراء ليقدم رؤية الحكومة أو ليعالج أخطاء الوزارات المختلفة ، فجميع القضايا بلا استثناء غابت الحكومة عنها على قاعدة تبريد الموقف وأن تأتي متأخرا خيرا من ألأ تأتي الكثير .
واختزال التعامل مع التحديات وتجنبها ولعل التأزيم في الشمال والتطورات الإقليمية لا نكاد نسمع من رئيس الوزراء أي توجه أو مكاشفة مع المواطن والتحدي الأمني الذي يقع على عاتق الأجهزة ألأمنية والعسكرية يحتاج الى جهد وأداء حكومي موازي ومساند ، فلا ألوم دواة الرئيس فلم ولن يستطيع تحت أي ظرف أن يكون قادراً على التصدي لشؤون الحكومة كاملة بمختلف مجالاتها ، فالخطأ الأهم والقاتل لأية حكومة هي في القدرة على تشكيلة طاقم الحكومة وأشخاص السادة الوزراء . فهم عماد الحكومة ولعل حكومة دولة الرئيس من اصعب ثغراتها ابتداء منذ التشكيل وتبعه التعديل بأن جاء بطاقم ضعيف وربما عن قصد لينسجم مع طريقة الإدارة التي يفضلها . فنجاح أية حكومة هو عند اختيار الوزراء كشرط ابتداء .
لن أكون سكيناً أخرى للجمل الذي على وشك الوقوع ولكن هي نصيحة من قلب مخلص للرئيس أو من يخلف الرئيس في المستقبل - القريب أو البعيد - بألا يبحث عن شخصيات لتقول نعم فقط ، فالأقوياء لا يخشون العمل مع الأقوياء و الرئيس القوي الراغب بخدمة دولته يجب أن يكون طاقمه قوي لأن في ذلك نجاح له ولهذا الوطن ولا يقل أهمية عند تشكيلة الحكومة الطاقم الإداري والإعلامي الموازي لأية حكومة .
وأخيراً فالأردن قوي بقيادته ولكنه يمر بظرف سياسي وإقتصادي وإقليمي صعب وحرج ولا بد له من حكومة قوية قادرة على التعامل مع التغيرات الأخيرة في السنوات الثلاث الماضية ، لا بل يجب أن تكون الحكومة أن ترتقي إلى طموح وآمال جلالة الملك والشعب الأردني . ربما يكون هذا الحديث شكل من أشكال التقييم الشخصي لحكومة دولة الرئيس من دون الوقوف عند عناصر التقييم المنهجية والعلمية وقائم على مسار الإنطباعات .. ولكنها رسالة وأٌمنية لا بل رجاء للحكومة القادمة - قريباً أو بعيدا - بأن الأردن مليء بالرجال الحقيقيين المنتمين القادرين الناضجين ولكن أبعدوا الشخصنة والجهوية والمصالح الضيقة والشللية والتنفيعات . فالأردن يستحق منا الأفضل ، وما هو قادم هو الأخطر .