قلنا في المقال السابق: إن على أول سلم أولويات جماعة عمان لحوارات المستقبل، جعل بناء الانسان المتوازن نفسيا ووجدانيا، الممتلك للمهارات التي تجعل منه انسانا منتجا وملتزمًا سلوكيا أولوية وطنية. وهذا يسوقنا الى الحديث عن أولوياتنا الوطنية.. فما هي هذه الأولويات ؟ وهو سؤال طرحته جماعة عمان على نفسها مبكرًا، ليكون عملها راشدًا موصولا؟
للاجابة عن هذا السؤال بادرت الجماعة الى الاتصال والتواصل مع اهل التجربة والخبرة في مجتمعنا في شتى المجالات، ومن مختلف الاتجاهات، انطلاقا من إيمان الجماعة بأنه لا احد يمتلك الحقيقة وحده، وانه لابد ان تكون هناك بوتقة تلتقي فيها الرؤى المختلفة والتجارب المتنوعة، لتنصهر جميعها في برنامج وطني موحد، يلتقي حوله غالبية الناس، ذلك ان الإجماع في مثل هذه القضايا أشبه بالمستحيل ان لم يكن مستحيلاً.. وهذا سبب رئيس من اسباب الحوارات والمشورات التي تجريها جماعة عمان، ليس مع اصحاب الخبره والتجربة فقط، بل ومع شرائح اجتماعية مختلفة، انطلاقا من الايمان بان التحديد السليم للاولويات لابد من ان ينبثق من خلال تلمس حاجات الناس الحقيقية للانطلاق منها، وفي اطار السياق التاريخي والجغرافي والتجربة الحضارية لمجتمعنا، بعد ان ثبت بالتجربة العملية والدليل المادي الملموس فشل كل محاولات الاصلاح والتغيير التي جرت وتجري من خلال استيراد وصفات لهذا الاصلاح من تجارب الاخرين، وهي تجارب تختلف بالضرورة عن تجربة مجتمعنا وسياقها التاريخي والجغرافي، فمن المعلوم ان للتاريخ أثره في تشكيل، عقلية ونفسية واتجاهات الشعوب. مثلما ان للجغرافيا ومناخاتها الطبيعية تأثيرا واضحا في هذا التشكيل وليس خافيا على احد ان طبائع سكان المناطق الحارة وسلوكهم وميولهم وتقاليدهم تختلف اختلافا واضحا عن طبائع وميول وتقاليد وسلوك سكان المناطق الباردة، وكذلك الحال مع سكان المناطق المعتدلة كمنطقتنا، تماما مثلما تختلف طبائع وميول وتقاليد وسلوك اهل الجبال عنها عند اهل السهول والشواطئ والصحاري، وهي اختلافات يلحظها علماء الاجتماع بوضوح، على ان ذلك لا يعني ان لا نسترشد بتجارب المجتمعات الاخرى استرشادا لنأخذ من هذه التجارب ما يفيد في تقوية تجربتنا الذاتية، مع الحفاظ على هويتنا الحضارية بعد ان عانينا طويلا من اخفاقات الوصفات المترجمة التي جرت محاولات لإنزالها على واقعنا عنوة، دون مراعاة للخصوصيات الوطنية من جهة، ودون بذل جهد لتحديد الأولويات التي يريدها الناس من خلال الحوار معهم، لا من خلال الفرض عليهم، ولعل هذا هو سر اخفاقنا حتى الان في تحديد اولوياتنا الوطنية في مختلف المجالات، وسر التبدل الدائم لهذه الاولويات، خاصة مع تبدل الحكومات السريع في بلادنا، وهو خلل اشار اليه كل الذين حاورتهم وشاورتهم جماعة عمان في اطار محاولاتها لتلمس اولويات عملها، ومن ثم السعي لصياغة هذه الاولويات في اطار استراتيجية وطنية عابرة للحكومات، محمية بارادة شعبية، لتشكيل رقابة على الأداء بهدف تحقيق المصالح الوطنية وحمايتها، وهو دور تسعى جماعة عمان لحوارات المستقبل الى القيام به، من خلال دورها في الرقابة الشعبية والمتابعة، وفق تصور استراتيجي عابر للحكومات.
وعند الحوار نحب ان نتوقف لنقول: إننا خلال السنوات الماضية سمعنا الكثير الكثير عن الحوارات في مختلف المجالات، وحول مختلف القضايا، لكن جل هذه الحوارات كانت لا تكمل مشوارها في معظم الأحيان، او انها لا تتابع تنفيذ ما وصلت اليه من نتائج صار مصيرها في أغلب الأحيان الحفظ في الملفات المحفوظة على الرفوف او في الأدراج، مما يعني اننا بحاجة الى نوع جديد من الحوار الذي يتصف اولا بالجدية وبالصبر الذي يقود الحوار الى نتائجة المرجوة، ثم بعد ذلك وأهم من ذلك المتابعة لتنفيذ هذه النتائج وحتى يتم ذلك فلا بد لجماعة عمان من ان تسعى الى تنمية روح الفريق والعمل الجماعي بين اعضائها اولا، ليتمكن هؤلاء الاعضاء من نقل هذه الروح الى مجتمعهم لتصير روح الفريق والعمل الجماعي سمة من سمات مجتمعنا، وهو الامر الذي لن يتم الا اذا تمكنت الجماعة من تجسير العلاقة بينها وبين مختلف قطاعات شرائح مجتمعنا، لتكون هي جسرا لتجسير العلاقة بين هذه القطاعات والشرائح، بهدف الوصول الى روح وطنية عامه تبني رؤية مجتمعية مشتركة لأولوياتنا الوطنية التي تكون محل توافق الاغلبية في مجتمعنا.
ان جماعة عمان لحوارات المستقبل وهي تجري مشاوراتها وحواراتها الهادفة الى المساهمة في تحديد اولوياتنا الوطنية، تسعى من خلال هذه الحوارات والاستشارات الى ترسيخ مفاهيم اساسية في مجال العمل العامـ أهمها: ترسيخ مفهوم التفكيري الجماعي في اطار التنوع والتعدد الذي تجمعه القواسم المشتركة والتعاون على ما نتفق عليه بعيدا عن الشللية، وثانيها ترسيخ مفهوم المشاركة المبنى على الحرية، كشرط اساسي لبناء المجتمع التعددي الديمقراطي الذي نسعى اليه والذي يحدد اولوياته بحرية مطلقة، بناء على حاجاته الاساسية التي يحددها هو، والتي لا تفرض عليه فرضا، وهذا هو اساس وسبيل نجاح اية خطة للنهوض بالمجتمع، الذي هو هدف نسعى جميعا الى تحقيقه.
الرأي