تستحضرني مقولة؛ ان العربي لا يستطيع ان يفتح فمه الا عند طبيب الاسنان، تعبيرا عن انه لا يستطيع التحدث في السياسة والديمقراطية والحرية وغيرها، الا عند طبيب الاسنان، بعيدا عن الشارع والمنتديات، وقد أؤمن بتلك المقولة احيانا ولا اصدقها في احيان اخرى، لأنك تكتشف زيفها بمجرد زيارتك طبيب الاسنان، خصوصا في حالة كان سياسيا وطبيبا.
فنقرر الحديث بالسياسة ونخشى من زراعة ادوات تصنت او تسجيلات في اركان العيادة اللعينة وفي احسن الاحوال ان يكون الطبيب "جاسوسا عميلا للدوائر" اقتباس.
تجلس على الكرسي بعيادة طبيب الاسنان بوضعية الاسترخاء، وبنشوة الابطال ويتم تبادل الحديث وتراقب الطبيب وهو يغسل يديه – لا تعني لك حركة الغسل شيئا – ويرمقك الطبيب بنظرة ودودة مع بسمة، ويلبس "كفوف" ويسأل عن احوال البلاد والعباد مع ابتسامة طبيعية توحي لك قبل البدء بالحديث انك "مثقف" ويبتسم بسمة ودودة، ثم يضع غطاء على الفم والانف ويبادرك بالسؤال، كيف الاوضاع ؟! وبما ان الكثيرين بيننا لا يتم توجيه هذا السؤال بالعمر مرة واحدة في العمر !! وبنشوة المنتصر والمطل على المشهد.. والله الاوضاع سيئة وماكله (خ…..).
ويبدأ العمل داخل الفم ويطلب الطبيب المضمضة والبصق، مع تكرار تلك العملية عدة مرات وبعد كل اجراء داخل الفم، ومع اللهفة لابداء الراي حول اوضاع البلد ، تخضع للمضمضة مرة اخرى والى ذلك يعلن الطبيب رسميا حقن الفم بابرة "بنج" مخدر موضعي ويبدأ الحديث حول الفساد المالي والاداري لدى الحكومات المتعاقبة واهتراء الطبقة الوسطى والتزوير والاحباط العام الى الطعام الفاسد والانحلال الخلقي وغيرها من الظواهر التي تضرب مجتمعنا. وباستجابة الفم للمخدر تتغير اللغة ويثقل الكلام ويصير الكلام "لاذم" نغير الواقع سيدي باي ثمن ؟!.
وبعد المضمضة ثم البصق مرة اخرى، والدخول الى تدشين مرحلة جديدة بـ "لدرل" تتغير مخارج الحروف الى "بث" بالرغم من كل "ثيء" احنا بخيررر..
ومع بدء عمليات الحفر الاولية، وبدأ الكلام يتبدل و"الدرل" سيد الموقف ، يستمر الطبيب بمعرفة امور البلاد ويقول:"ايوه وبعدين"؟!، وتجيب: صحيح دكتور عندنا فساد بس اوجدنا هيئة لمكافحة الفساد ونحن في طريقنا الى وقف التزوير واصبحت لدينا هيئة مستقلة للانتخاب والعمل جار لاعادة الطبقة الوسطى بسبب خطط التقشف الاقتصادي وزيادة الضرائب وانتهى عصر الغذاء والماء والهواء الفاسد بوجود مؤسسة الغذاء والدواء والانحلال الاخلاقي كذلك له خطة حكومية والدور عليه، والوساطة والمحسوبية انتهت وتبعنا الوظائف الى ديوان الخدمة المدنية وانفاذ القانون والتنسيق بين الاجهزة المختلفة قائم ووو انظر يا دكتور الى جوارنا ملتهب ونحن بامان يكفي هاي!! ثم يطلب منه الطبيب المضمضة والبصق.
واثناء الحفريات والالام يصرخ الطبيب: يا رجل حرام عليك ؟! .."ليش هيك " .."شوه هالظلم"؟!
واستمر الطبيب في الحفر بالدرل والاوجاع تجتاح فمي ما جعلني اتوقف عن الكلام قصرا ، ثم طلب الطبيب مني المضمضة والبصق واستدار ونزع عدته ومضى الى المغسلة ويصفن عليها…. وابلغني الوضع سيء مهما حاول تجميله او تلبيسه لن يكون مفيدا ! .. والسوس منتشر في كل مكان ..وان الامر يحتاج الى خلع الاضراس! وان فمي فاسد وقد احتاج الى قطع لسان في حال استمرت هذه الظاهرة.
وتمتم م م م
هل تبنى الاوطان هكذا ؟!

العرب اليوم