هل نحتاج إلى "مارتن لوثر" إسلامي .. ؟!
حسين الرواشدة
30-06-2015 04:08 AM
يمكن صياغة السؤال اعلاه بطريقة اخرى، وهي: هل يحتاج الاسلام الى اصلاح..؟ الاجابات التي وصلتنا على امتداد الشهور الماضية على الاقل جاءت في سياق واحد، وهو : نعم، لم تقتصر هذه “النعم" الكبيرة والمفخخة احيانا على الطرف الغربي الذي يرصد بدقة كل التحولات التي جرت على ضفتنا، وفي مقدمتها التحولات الدينية، وانما شهدنا ايضا في بلداننا العربية دعوات جريئة اخرى ذهبت الى حد المطالبة باقصاء “الدين” عن الحياة العامة، تماما كما فعلت اوروبا.
بعكس هذا الاتجاه تماما، نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا لاحد كتابها ( اسمه مهدي حسن ) يدحض فكرة “حاجة الاسلام الى الاصلاح” من الاساس، يقول :”ما لا يحتاجه المسلمون هو الدعوات الكسولة للإصلاح الإسلامي من غير المسلمين أو المسلمين السابقين. تكرار ذلك لا يبيّن إلّا قدر الضحالة والتبسيط في رؤيتهم، أو عدم تاريخيّة تلك الرؤية أو ربّما حتّى مناقضتها للتاريخ” ثم يضيف "الحديث عن إصلاح إسلامي على غرار ما حدث للمسيحية هو خطأ كبير. لنمعن النظر في فكرة لوثر المسلم. لم يكن لوثر مجرّد مُعلّق للكتابات الـ95 على باب كنيسة قلعة فيتنبرغ عام 1517، أو مُجرّد معارض لانتهاكات رجال الدين بالكنيسة الكاثوليكية، لكنّه كان أيضًا من طالب بضرب الفلاحين الألمان الثائرين ضد أسيادهم الإقطاعيين حتى الموت، مقارنًا إياهم بالكلاب المسعورة” ثم يصل الى ان :”ثمة تباعدا هائلا بين اللاهوت الإسلاميّ والمسيحيّ على وجه الخصوص. الأول، لم يكن له قط طبقة دينية على غرار رجال الدين الكاثوليك ممثلي البابا المعيّن إلهيًّا. إذًا فمن تحديدًا سيستهدفه الإصلاح الإسلامي؟ وعلى أي باب سيتم تعليق الرسائل الـ 95".
حين ندقق فيما نشرته "الغارديان" نجد ان الدعوة الى اصلاح الاسلام جاءت في سياقات “ ملغومة “، فهي اولا تنم عن جهل عميق بالاسلام الحقيقي او انها تعرفه وتتعمد الاساءة اليه، وهي صدرت ثانيا من دوائر غربية ومستعربة لا تحمل اي نوايا “طيبة “ تجاه الاسلام، كما انها ثالثا تتنكر للاختلاف الطبيعي بين تجربة الغرب مع الكنيسة وبين تجربة العرب والمسلمين مع الاسلام، وتحاول ان تضع الديانتين في طابق واحد، وهي رابعا تعكس حالة الفوبيا التي يعاني منها الغرب جراء هجرة المسلمين المتزايدة والتخويف من الاسلام التي يجري الترويج لها هناك من قبل اليمين المتطرف استنادا الى الاحصائيات السكانية التي تشير الى تكاثر المسلمين مقابل هرم المجتمعات الاوروبية.
حين ندقق بشكل اعمق نكتشف ان دعوات اصلاح الاسلام جاءت في سياقات مبرمجة سلفا، فقد تم تصميم خطة لاقصاء الاسلام السياسي او اضعافه، كما حدث في مصر واليمن وتونس، ومن المتوقع ان يشمل البلدان الاخرى، كما تم الاستثمار في “داعش” وغيرها من التنظيمات الاسلامية المسلحة التي قدمت افضل اداء ممكن لتخويف العالم من الاسلام وتحريضهم عليه، زد على ذلك ان الفوضى التي يشهدها المجال الديني من خلال استيلاد ودعم حركات جديدة ورموز مجهولي الهوية كرد على التطرف، كانت عملية مقصودة من اجل “تمييع” الاسلام وخلق حالة من الارتباك والشك بين المنتسبين اليه وصولا الى اشعال النار والصراعات بينهم.
الحقيقة التي يقفز عنها اصحاب دعوات “اصلاح الاسلام “ هي ان “الايدولوجيا” الاسلامية (ان صحت التسمية ) ليست مسؤولة عن العنف الذي تشهره التنظيمات التي تتبنى فكرة “الاسلام المسلح” وانما المسؤول هو الظروف الموضوعية الداخلية والخارجية التي افرزت هذا الفكر الشاذ وسمحت له بالتمدد، وهي ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية تراكمت لعقود طويلة يتحمل "وزرها" الانظمة العربية والغرب الذي تواطأ معها، وقد تسببت في انفجار “التاريخ “ على هذا الشكل المفزع الذي اسقط افكارا وانظمة ودولا كما كشف القناع عن الغرب، ودفع الى نشوء بيئة حاضنة لهذه التنظيمات.
صحيح ان صورة الاسلام كانت حاضرة في المشهد لكن الصحيح ان هذه الصورة جرى العبث بها “انتاجا واخراجا” وبدت وكأنها تبرز مخلوقا اخر مشوها لا علاقة له بالاسلام الذي نعرفه ونفهمه، وقد استخدمت كغطاء ومبرر، ولو افترضنا جدلا ان “اصلاح الاسلام “ هو الحل، واننا قمنا بالمهمة، فان من المؤكد ان الحالة لن تتغير لان بوسع هذه التنظيمات ان تتمسك "بدينها" الذي صنعته، او تجد لها ( كما فعلت تاريخيا تنظيمات مسلحة اخرى باسم القومية او المظلومية ) غطاء آخر لتبرير افعالها ما دام انها تستمد شرعيتها من الدم والقتل الذي تباركه اطراف اقليمية ودولية فاعلة تدّعي انها تحاربها.
لا نحتاج الى “مارتن لوثر “ اسلامي، لكننا نحتاج الى نماذج انسانية اخرى يمكن ان تلهمنا وتساعدنا في الخروج من هذه الكارثة، خذ مثلا نموذج الخليفة عمر بن الخطاب الذي يمثل العدالة المفقودة، وخذ ايضا نموذج مانديلا الذي يجسد المصالحة التاريخية، وخذ ثالثا نموذج غاندي الهندي كرمز للسلام، وخذ رابعا نموذج المثقف الحقيقي والمصلح والحاكم العادل ( وما اكثر الاسماء في تاريخنا وتاريخ الامم الاخرى ) فهي التي يمكن ان تملأ الفراغ الذي تمدد فيه البغدادي وغيره، وهي التي تستطيع ان تطرد العفاريت التي استحضرها الذين يدعوننا اليوم “لاصلاح الاسلام “ وكأن الاسلام هو المتهم الوحيد في صناعة هذه النكبة التي اصابت امتنا.
الدستور