أقنعة البطولة .. ماذا تخفي وراءها
09-05-2008 03:00 AM
أليس حريّ بنا أن نفهم ما الذي يجري من وراء ظهورنا ، بعدما ذهب زمن الكتاتيب ، وأبن القرية الوحيد الذي تأتيه الرسائل والمكاتيب محمولة بأيدي أصحابها الذين لا يعرفون القراءة ليقرأها لهم ، فيفسر المعاني ، ويؤول الأهداف ، ويكتم الأسرار أو يفضحها حسب ميزان محبته وكراهيته وأمانته وثرثرته .
في التاريخ الحكومي الاردني حسب معرفتي ـ وصححوني إن أخطأت ـ لم تكن هناك في يوم من الأيام محاكمة لوزير ، رغم ثورة العديد من الاتهامات ضد بعضهم ،و هطول الأقاويل كزخ المطر على بعض آخر ، والحادثة الأكبر التي لا تزال في الذاكرة هي محاكمة مدير المخابرات الأسبق سميح البطيخي رغم إنه كان يشكل أحد أضلاع المثلث الملتهب ، بل هو الضلع الأقوى فيه ، وكانت مسألة اختلاف وجهات النظر أو الإستئثار بالقرار ، هي السمة العامة والمعروفة لتلك المماحكات باختصار ، فكان ان سقط الضلع القوي مغشيا عليه في أحضان العدالة التي لا تضل طريقها في هذا الوطن أبدا .
وبقيت المماحكات الضلعية ، كباريتية ً وروابدية ، بعدما خرج من الحلبة الضلع البطيخي ، وكان لا بد من صبر الحكيم الحليم ان ينفد لتصحيح الأمور وتصويب المسارات ، والقصة عندكم .
الكف بالكف والساعد مقابل الساعد والعين تلتهم العين ، هي لعبة كسر عظم ، أو كسر ظهر ، أو خطف الأضواء ، او السيطرة على الساحة , ولكن ماذا يهم المواطن من كل هذا وهو مكسور البطن .. يجب ان نفهم !
أقنعة كثيرة وعديدة تلك التي تختبئ وراءها الشخصيات ، وتختبىء وراءها الرغبات والنيات والأهداف ، حتى لم نعد نعرف من مع من ومن ضد من ، لأن الظواهر لا تعبر بالضرورة عن البواطن ، والمسؤول الحكومي منشغل بفك الشيفرة مثلما نحاول نحن فك الطلاسم ، ولعله لا يفهم رموزها حتى يصعق بخبر عبر الهاتف مفاده " انتهت المهمة " .
ما رأيناه في معركة الألسنة يوم الخميس ليس إلا جزء بسيط من حقيقة مبهمة ، حتى من هرف فيها لم يعرف النزر اليسير منها ، لذلك فإن التطاول بالشتائم والاستقواء بالتراحم ، والاصطفاف في معسكرات الشد والدفع لم يكن منصفا لنا نحن الذين لا نملك حتى الآن معرفة عد الأرقام حتى المائة وهي أرقام الدنانير التي نستجديها من صناديق المعونة الوطنية أو من التقاعد والضمان أو ما تبقى في جيوبنا في خامس يوم من " قبضة الراتب " ، فكيف السبيل لمعرفة عد أرقام المليارات .
السؤال الذي حاصّ ولاصّ وقفز عنه عدد من العارفين ، هو أين تذهب أموال البيوعات وفيما تنفق واردات الخصخصة ، وكيف تشترى الديون الخارجية بتلك النسب المتدنية ، ولماذا لا تزال الأموال تنفق على أمور خدمية ليس لها سقف تكاليف أو تفاصيل نفقات ، أو ضرورات ، ولماذا تنسحب الحكومات من مهمتها الأساسية في ولاية الخدمات الضرورية للمواطن .. أو لماذا لا توضع أموال البيوع والخصخصة تحت رقابة جهة برلمانية وقضائية ومحاسبية ؟
وعلى قوله تعالى : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه .. يضرب لنا البعض أمثلة ، فمجلس النواب مثلا مليء بالأمثلة التي نستطيع ان نفتح من خلالها أسئلة محكوم عليها بالسجن المؤبد أو الى إشعار آخر ، وبعض المسؤولين من القيادات الأمامية السابقة في الصالونات تثير لدينا شهية المعلومة عن كثير من التجاوزات والتجييرات والهبات والسفرات والمنح والتقاعسات بل الصدود الذي كانت تمارسه تلك الشخصيات تحت جنح وظائفهم التي لا ترقى اليها أقلامنا ، ولا تتسع صدورها الى أسئلتنا ، ولا تقوى أعينها على مواجهة أعيننا ، فالضباب لا يقوى على وهج الشمس .!
ولأن ما حدث لا يعني بالضرورة ان مجلس النواب هو قلعة الدفاع عن مقدرات الوطن أو حريات المواطنين وحقوقهم ، فإن ما قامت به الحكومة من فتح الأبواب على مصارعها للصحافة وعدسات التوثيق التلفزيوني ، هو سابقة لن تمر علينا دون تخبيث الأسئلة ، فالتوقيت والموضوع والمواجهة كلها لا تخدم سرية المرحلة ومواقف بعض الشخصيات المثيرة للجدل ، وهي التي لم تهبط علينا فجأة بل هي موجودة منذ ردح ، ولها باع طويلة في العمل العام أخطأت أم أصابت ، وهي تحت النقد ولا يحميها دستور أو قانون إن أخطأت ، ولكن تحميها مجموعة الأخلاق العرفية من التجريح والشخصنة وربطها بشنائع الأوصاف .
ورغم ذلك فإن البعض قد رمى حجرا في بركة الهدوء الصامت للمجلس ، وفتح ستارة المسرح عن فصل من فصول أحداث المسرحية ،حينما تمرد هذا البعض على طبعهم ، وحشد قوى الألسنة لمطالبة الحكومة بالرحيل ومحاسبة رئيس الديوان حسب ادعاءاتهم صباحا ، ثم عادوا مساءا كالحملان الوديعة ، وكأن على رؤوسهم الطير .
لقد جاء وقت تمزيق الأقنعة .. وإيقاف مباريات المصارعة التمثيلية ، وإغلاق مضمار سباقات المصالح ، وجلب الكبير قبل الصغير الى قاعة المصلحة الوطنية وأمن الوطن ، حتى لا تثار الفتن ، وان يتحدث الجميع في " خلوة اجتماحكومية " للمكاشفة والمصارحة ، لنعرف ما الذي يدور حولنا ، فنحن أصبحنا نعرف ما يدور في بغداد و بيروت وتل أبيب وحتى كابول ، ولكننا لم نعرف ما لذي يحاك في عمّان ، فهل هناك قوى حرب باردة ، تخفي خلف أقنعة الإبتسامة أسنانا مشحوذة بكراهية القلوب و مصالح الجيوب ؟
Royal430@hotmail.com