في وقت الشدائد تتوحد الأمة وترتقي النفوس بحالة ملفتة للأنظار إلى سمو من التعاون والتعاطف بين أفراد المجتمع، ويسود في الأفق حالان لا نقول عنهما متضادين بل يسبق احدهما الآخر في المراحل الأولى على الأقل، فتسيطر أصوات لا نستطيع وصفها إلا بالحماس الزائد، تعلوا في الأجواء المشتعلة وتكون غالبة لغيرها، لان الموقف لا يحتمل الهدوء وسط هذه العاصفة وهذا هو الحال الأول بعينه، بينما في الحال الثاني تتراجع الأصوات الهادئة ذات الخبرات الكبيرة التي عايشت الكثير من الشدائد وعلمتها التجارب انه لابد من الحكمة والصبر لتجاوز كل المحن، وهي تعرف أنها في هذه الظروف ليس لها دور يذكر إلا بالهمس للمقربين منها فقط، لأنها قد تتهم بالضعف والخذلان.
ولأننا بشر لا يمكن أن يكتمل لنا المشهد المأمول؛ فقد انتفت عنا صفة الكمال والتمام فهي لله وحده جلت قدرته، ولهذا يحاول كل منا معالجة الشدائد بطريقته التي يؤمن بها مع شعوره الخفي انه قد لا يستطيع الوصول إلى ذلك لوحده مما يدع ذلك مجالا لتشارك الآراء في مرحلة ما من الحدث المعاش فتبدأ مع مرور الوقت خطوات الالتقاء الأولى للحالين الآنفين ذكرهما لمحاولة كل منهما التعامل مع الأحداث الساخنة والشديدة، والتي نحن الآن بصدد الحديث عنها.
فعندما يقع هناك حادث على مستوى عشيرة كأن تقع حادثة ضرب شديد لأحد أبنائها ؛ تجتمع العشيرة وتعلو أصوات الغضب والثار والحرق للممتلكات وقطع للطرقات، ولا يستطيع احد إسكات هذه الأصوات التي تطالب بالرد الفوري دون معرفة لتداعيات الحادث وأسبابه، وتغيب لغة الحوار حتى وان وصل شيء من حقيقة الموقف لأحد أفراد العشيرة فلا يستطيع البوح به لأنه سيتهم بالنفاق والجبن وبناء المصالح على ظهر عشيرته وبالتالي يضطر إلى السكوت وانتظار الوقت المناسب لطرح رأيه وعادة ما يتم ذلك عند تهدئة الخواطر، والمرور التدريجي للوقت حيث يبدأ انخفاض منسوب الأصوات إلى درجات أدنى قد تسمح ببداية جولة جديدة من الطروحات الهادئة التي تدعو إلى السيطرة على الموقف بمبدأ قانوني وعقلاني بحت، وقد علمتنا التجارب الكثيرة في هذه الأحداث، بان مآلاتها ربما تكون نتاج الصوت الهادر الغاضب ولا عيب فيه، وربما تكون نتاج الصوت الهادئ المعتدل ولا عيب فيه أيضا.
ولأننا هنا في صدد الحديث عن الوطن، وعن أحداث جسام تمر بها المنطقة، تلامس حياتنا اليومية بشيء من القلق والغضب والاستهداف المباشر، كانت ذروتها في استشهاد البطل الأردني معاذ الكساسبة الذي يقينا حُفر اسمه في قلوب الأردنيين جميعا دون استئذان، والتحم الشعب مع قائده في لحظات عظيمة تكاد تكون أسطورية من شدة صدقها وتفاعلها وتعاضدها، عبرت بأفق مداه السماء عن وحدة الأردنيين وولائهم للعرش المفدى، فكنا بتلك اللحظات محط إعجاب العالم بأسره، بل كنا قدوته في التلاحم والتعاضد والوحدة الوطنية والالتفاف حول قيادتنا المظفرة.
وجاء الثامن من شهر رمضان المبارك ليزف لنا استشهاد البطل الحوراني الذي نحتسبه شهيدا عند ربه مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، جراء قصف عشوائي ظالم لحدودنا الأردنية، طال مدينة الرمثا الباسلة العصية على الأعداء، مسببا أيضا إصابة عدد من الأردنيين الأشاوس الذين نسال الله لهم الشفاء العاجل، واستمعنا من خلال وسائل الإعلام المختلفة صيحات المواطنين المعبرة عن المتاعب والقلق والخسائر المادية الكثيرة التي تسببها تبادل عمليات القصف بين الأطراف السورية على أهلنا في الرمثا الحبيبة وجاراتها من قرانا الشامخة الرابضة على الحدود الشمالية للمملكة الأردنية الهاشمية،وبموازاة ذلك امتدت يد القتل لتضرب في الكويت وتونس الشقيقتين الغاليتين،ولم تسلم فرنسا أيضا من ذلك، و في أثناء ذلك تتوالي الأحداث النارية في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وأصبحنا في مرمى نيران الآخرين ؛ مما يستدعي الأمر أن نتمتع بالعقلانية والهدوء والحكمة، والابتعاد عن العصبية والفوضى، والالتفاف حول القيادة الهاشمية التي تبذل جهودا جبارة في الحفاظ على أمننا واستقرارنا، وعدم الضغط على حكومتنا بما لا تطيق وخصوصا في هذه الظروف الصعبة، والتزام إعلامنا وكتابنا ومفكرينا بما تمليه عليهم مصلحة الوطن والأمة، فنحن في الأردن لسنا بصدد التوسع على حساب أي من جيراننا، ولا يوجد لدينا أطماع خارجية بضم مناطق حدودية إلينا، بل كنا دوما موئلا للعرب والمظلومين واللاجئين والهاربين من قسوة الأحداث التي عاشوها في أوطانهم، فنحن بنظرهم ونظرنا ونظر العالم اجمع ؛ الأردن الكبير بحدوده الحالية دون امتداد أو توسع، والأردن الكبير بقيادته المميزة، والأردن الكبير بشعبه الواعي العظيم هدفنا السلام والحرية والكرامة لكل شعوب العالم.