حقوق الانسان تطالب بمراجعة شاملة للقوانين
27-06-2015 03:44 PM
عمون - يحتفل العالم في السادس والعشرين من حزيران باليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، وقد أقرّت الأمم المتحدة هذا اليوم منذ عام 1997 بهدف القضاء التام على التعذيب وتحقيقاً لفعالية أداء الإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللانسانية والحاطة بالكرامة، والتي دخلت حيز التنفيذ يوم 26/6/1987.
كان من المفترض أن ينتهي التعذيب في العالم منذ أمد طويل، إذا أخذنا بعين الإعتبار الأعداد الكبيرة من التصريحات والخطابات والإلتزامات اللفظية، إلاّ أنه وللأسف لا يزال التعذيب يمارس على نطاق واسع، ليس فقط على يد الدول وحسب بل ومن قبل منظمات خارجة على القانون.
ولا يشذّ الأردن ـ للأسف ـ عن هذا الإستنتاج ـ ولو بشكل محدود ـ بالرغم من بعض الجهود التي بذلت من اجل مناهضة التعذيب دستورياً، وبخاصة المادة 8 التي شملتها التعديلات الدستورية عام 2011. ويمكن أن نضيف أيضاً نشر الإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب في الجريدة الرسمية عام 2006. وكذلك الجهود المبذولة للحد من العنف المنزلي والعنف ضد المرأة والحد من الإتجار بالبشر ونشرالتوعية في صفوف الأجهزة الأمنية وفي المجتمع ضد هذه الاشكال من سوء المعاملة.
بالمقابل، فإن المسؤولين الأردنيين أعترفوا بأنفسهم ، عام 2010، أمام لجنة الأمم المتحدة المنبثقة عن الإتفاقية المذكورة بأن "الإتفاقية لم تنفذ محلياً قبل نشرها"، علماً بأن الأردن قد صادق على الإتفاقية منذ عام 1991. ومما يؤكد عدم الجدية في تنفيذ الإتفاقية عدم تقديم الحكومة لتقارير دورية إلى اللجنة المذكورة لفحص مدى التقدم في الإلتزام وتطبيق الإتفاقية، إذ مضى أكثر من 13 سنة دون تقديم أية تقارير (1995 ـ 2010).
ومما يزيد من قناعة قطاعات واسعة من الأردنيين ومنظمات المجتمع المدني بعدم جدية الحكومات المتعاقبة على تطبيق النص الدستوري (م 8) والإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب هو عدم تعديل المادة 208 من قانون العقوبات بما ينسجم مع الإتفاقية المذكورة، وبما ينسجم مع المادة 128 من الدستور والتي تنص على أنه "لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو يمس أساسياتها".
إن تقارير منظمات حقوق الإنسان الأردنية والمركز الوطني لحقوق الإنسان وتقارير المنظمات الإقليمية والدولية تؤكد كلها على الأرتفاع الكبير لشكاوى التعرض لسوء المعاملة ـ والتعذيب أحياناً ـ من قبل الأجهزة الأمنية، إضافة إلى تعرّض الموقوفين للضرب أثناء التحقيق للحصول على الإعترافات. وبإعتراف الحكومة نفسها، فإنه لا يتم التعامل إلاّ مع نسبة قليلة من هذه الشكاوى، إذ من بين 837 قضية سوء معاملة من أفراد الشرطة تم الإبلاغ عنها عام 2012، تقرّر "منع المحاكمة" في 669 قضية منها. وفي عام 2013 كان عدد الشكاوى 392، تقرّر في 101 قضية "منع المحاكمة"، أي أن نسبة الثلث فقط يتم التعامل معها، علماً بأن القضايا الأخرى التي يتم التعامل معها "لا تزال قيد النظر"، وفي حالة واحدة ثبت فيها سوء معاملة تم إحالة الضابط المسؤول على التقاعد !!
لقد طالبت "الملاحظات الختامية" للجنة المنبثقة عن إتفاقية مناهضة التعذيب والصادرة عام 2010 ب "إتخاذ خطوات فورية لضمان الإمتثال الكامل لمحكمة أمن الدولة والمحاكم الخاصة الأخرى (كمحكمة الشرطة) في عملها لاحكام الإتفاقية الدولية والمعايير الدولية للمحاكم"، لكن الحكومة في تقريرها الجديد تجاهلت هذه التوصيات ولا تزال مصرة على التمسك بمحكمة أمن الدولة ومحكمة الشرطة اللتين ـ كما هو معلوم ـ لا تتوفر فيهما الحد الأدني من معايير المحاكمة العادلة، والتي طالبت جهات عديدة أردنية ودولية بإلغائها أو تحويلها إلى محاكم مدنية تحت سلطة المجلس القضائي.
إنه من المؤسف القول بأن الأردن الذي مضى على تصديقه للإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب ما يقارب الربع قرن لم ينفذ عملياً وبالملموس إلاّ الجزء اليسير منها، والذي أشرنا إليه في بداية هذا البيان. إن إنفاذ الإتفاقية لا يمكن أن يتحقق فقط من خلال عقد المؤتمرات والندوات (على اهميتها) بل عندما تتضمن القوانين الأردنية نصوصاً واضحة وآليات لا لبس فيها تمكن ضحايا التعذيب من مقاضاة مرتكبي التعذيب والمسؤولين عنه، وعدم إفلات هؤلاء من العقاب وإنصاف الضحايا وتقديم التعويضات المناسبة لهم ـ وهو ما لم يتم ولم تشر إليه التقارير الحكومية، ولو بذكر حالة واحدة فقط منذ خمسة وعشرين عاماً.
لذلك تناشد الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان، بمناسبة هذا اليوم العالمي، السلطات الرسمية، وبخاصة السلطة التشريعية، بذل الجهود اللازمة من أجل القيام بمراجعة شاملة للقوانين من أجل موائمتها مع النص الدستوري (م 8)، ومع الإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب من أجل الوصول إلى "أردن خال من التعذيب"، يحفظ كرامة المواطن ويحاسب مرتكب التعذيب أمام محاكم مدنية وينصف ضحاياه ويضع حداً للإفلات من العقاب ويتخذ إجراءات تتمتع بالشفافية والصدقية لا تدع مجالاً للتشكيك في جدية مناهضة التعذيب. وسوف تجد السلطات كل الدعم والمساندة من جانب منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني الأردني من أجل الوصول إلى هذا الهدف السامي الذي يحافظ على كرامة الإنسان وحقوقه.