في الحديث عن الاردن الكبير
د.بكر خازر المجالي
27-06-2015 01:34 AM
نستطيع وضع اسباب ودوافع عديدة لاطلاق هذا المصطلح في هذه الفترة تحديدا ، ولكن ان لا يغيب عن اذهاننا ان اول الاسباب لاطلاق هذا المصطلح هو استقرار الاردن وامنه ونجاحه في منع كل اشكال الفتن وتسلل الارهاب اليه ، وفشلت كل الجهود لزعزعة الامن الداخلي خاصة مع نجاح قوات الامن العام باحتواء كل انواع المظاهرات والحيلولة دون سفك اية دماء .
ويأتي اطلاق هذا المصطلح ربما لتوجيه الانظار الى ان هناك خطرا قادما من الاردن على جيرانه ، خطر انهاء حكم بعض الانظمة وخطر سلخ اراض منها لضمها الى الاردن ، وهذا يستوجب على هذه الدول ان لا تقف متفرجة بل ان تبادر للتصدي للخطر الاردني ونقل الارهاب الى داخله وزعزعة استقراره بكل الوسائل واستهداف دولته ككل.
فاطلاق هذا المصطلح ليشكل فزاعة جديدة بعد نهاية فزاعة مشروع سوريا الكبرى باغتيال الملك الشهيد عبدالله الاول عام 1951 ،جاء لخلق اسباب الاسعداء ضد الاردن ، ولتثوير المنطقة باي شكل كان تمهيدا لدخول عصابات الارهاب التي لا يمكنها ان تنجح مطلقا الا اذا توفرت الفوضى وغياب الدولة في اي ارض تريد اجتياحها.
واستمعت الى اذاعة من بلد مجاور في حديث عن اضطرابات المنطقة وتناول الحوار مشروع الاردن الكبير وربطه بسايكس بيكو جديدة في المنطقة ، وهالني ما سمعت من تحليل لربط المشروع بمخطط امبريالي جديد وغير ذلك .
ربما يحلو للبعض ترديد هذا المصطلح ، ويشعر البعض انه يوحي بعظمة الدولة الاردنية وطموحاتها ،ولكن ينسى البعض ان الاردن كدولة دستورية وعضو في جامعة الدول العربية وتحترم كل مواثيقها ومعاهداتها وعضو في هيئة الامم المتحدة وترأس مجلس الامن حاليا لا يمكن ان تقبل ابدا ان يكون الاردن غير الاردن في أي حال كان ، الاردن الذي كان يدعو للوحدة العربية بارادة عربية ،ويرفض التدخل في شؤون الاخرين ،وهنا نستذكر ثلاث وقائع تاريخية :
الاولى في مثل هذه الايام وتحديدا في 25 حزيران من عام 1925 ، حين تم توقيع اتفاقية (حداء) بين مملكة الحجاز وحكومة الشرق العربي الاردنية لضم معان والعقبة الى شرق الاردن لتأمين منفذ بحري للاردن ، وبعد تغير النظام في الحجاز استغرق الامر حتى عام 1932 حين انتقلت العلاقات الاردنية السعودية الى حالة من الاخوة الحقيقية بعد توقيع المعاهدة الاردنية السعودية واعترفت السعودية رسميا بضم العقبة ومعان الى الاردن.
والثانية عام 1950 حين تحققت وحدة الضفتين ،ولم يكن الضم احتلالا او استيلاءا على الضفة بل وحسب قرار جامعة الدول العربية فهي وديعة الى ان يكون للتطورات مستقبلا دورا في تحديد مصيرها ،وهنا استذكر عام 1960 حين حاولت الحكومة الاردنية الاعتراف بدولة فلسطينية في الضفة الغربية كيف ان رئيس الوزراء هزاع المجالي قد ذهب ضحية ذلك مثلما ذهب الشهيد عبداله الاول ضحية مشروع سوريا الكبرى ووحدة الضفتين ومحاولة اقامة اتحاد مع العراق.
اما الثالثة فهي عام 1958 حين نجح الاردن والعراق باقامة الاتحاد العربي وسموه كذلك ليكون المجال مفتوحا لاي دولة عربية للانضمام اليه ، ولكن النتيجة كانت اغتيال الاسرة الهاشمية في بغداد يوم 15 تموز 1958 وكان مخططا ان يتم التنفيذ في ذات الوقت ضد الاسرة الهاشمية في الاردن ولكن تم اكتشاف المخطط واعتقل المشاركون.
نلاحظ ان هذه افكار وحدوية كان الاردن ينادي بها وتلقى جزاء سنمار عليها ، وهو لا يقبل ان تكون اية وحدة او اتحاد الا من خلال الابواب المفتوحة الوضحة التي لا ظلامية فيها .
من قراءة التاريخ الذي كثيرا ما يكررنفسه وبالاستفادة من وقائع تلك الايام يأتي التحذير ليس من خطورة مصطلح الاردن الكبير ، بل من خطورة استغلال هذا المصطلح للتأليب ضد الاردن من الحاسدين لاستقراره ونجاح قيادته وبراعة سياسته في ظل هذه الازمات المعقدة وفي وقفته صامدا امام حدود ملتهبة وصل لهيبها بسقوط قذائف على مدينة الرمثا واستشهاد ابننا عبدالمنعم الحوراني كأول شهيد جراء ازمة الغير سائلين المولى عز وجل ان لا تتكرر هذه الحادثة.
مصطلح الاردن الكبير كفزاعة جديدة في هذا العصر مثل فزاعة الوطن البديل حينا ،وحينا اخر ضم الضفة الغربية للاردن ،وغير ذلك كل هذه لا يمكنها ان تمر على الشعب الاردني الذي هو في درجة من الوعي ويدرك كل التحديات والاخطار المحيطة ،ويعلم ان الحرص على الامن .الوطني الاردني هو من اساسيات المواطنة الصحيحة