هل بلعنا "طُعْم" الصراع المذهبي؟!
د.زهير أبو فارس
25-06-2015 02:02 PM
صحيح أن تاريخ الصراع من أجل الهيمنة ونهب الثروات والتحكم بالموقع الاستراتيجي، تميز دائماً بإثارة الفوضى والحروب، القائمة على الفتن بين شعوب هذه المنطقة، التي تعيش في مراكز الحضارات القديمة وموطن الأديان السماوية. لكن الصحيح أيضاً، هو أن الرايات التي تُرْفع ليسير خلفها العامة في عملية الصراع إياها، تتمحور، في الغالب، حول أفكار خلافية عرقية أو طائفية أو مذهبية، هي موجودة في الوعي واللاوعي الجمعي، ولها، جذورها التاريخية والاجتماعية. وما على المخططين الخارجيين وأدواتهم من المستشارين، أو المقاولين المحليين – سَمّهم ما شئت-، الاّ نبش التاريخ، واستحضار الاحداث، واسقاطها على الواقع، بهدف تلغيمه وتفجيره، واشاعة الفوضى، واشعال الحرائق، ليكون العامة حطبها.
فما يحدث اليوم من فتن وصراعات مذهبية وطائفية، عاشته شعوب هذه الأمة بالتمام، وعلى مدار الأربعة عشر قرناً الماضية، وبدموية لا تختلف عن ما هو حاصل الساعة، وإن اختلفت أدوات وأساليب الصراع. فالقاسم المشترك بقي دائماً ثابتاً، وهو الشحن الأقصى للوصول الى حافة الهاوية، وتدمير الذات الجمعية، بكل عناصرها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية، لتعود شعوب وكيانات هذه الامة وفي نهاية كل "جولة صراع تاريخية ذاتية" مفتتة ومهزومة، تعاني، مرة أخرى، من التخلف بثالوثه المعروف: الجهل، والفقر، والمرض. وعندها يصبح الحديث عن ردم أو تقليص الفجوة الحضارية بين هذه الأمة والطامعين فيها لا يتعدى الخيال والأوهام. هذه هي دورة الحياة والموت المبرمجة بعناية، والمخصصة لشعوب وكيانات هذه الأمة، لتكون "الوصفة " من كل تقدم أو قدرة على مواجهة المخططات التي تدبّر لها، ولتبقى غارقة في ضياعها، والأهم، عاجزة عن مواجهة المشروع الصهيوني لابتلاع فلسطين وما حولها. كما أن الفتنة المذهبية والطائفية التي تلتهم نيرانها المنطقة بأكملها، يتم توظيفها، أيضاً، لصالح تثبيت وتعزيز المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة. ومفكرو واستراتيجيو هذا المشروع يعون جيداً أن بقاء ومنعة كيانهم لن تستمر إلاّ بتوفر شرطين أساسيين: الاول- تكريس مبدأ يهودية الدولة او الدولة اليهودية النقية، المعتمدة على العقيدة التوارتية؛ والثاني- تفتيت المجتمعات والدول العربية، واعادة صياغة خارطة المنطقة برمتها، على أسس فسيفسائية من الطائفية والمذهبية والعرقية البغيضة، التي تضمن ضعفها وعجزها، من خلال استمرار الفرقة والكراهية بين مكوناتها، وفي الوقت نفسه، تحويل بوصلة الصراع من اتجاه الاعداء الحقيقيين الى الاقتتال الداخلي بين أبناء الامة الواحدة.
من هنا، فإن ترسيخ الفتنة، والقتل على الهوية الطائفية والمذهبية، وبهذه البشاعة الوحشية، التي تفتقد الى الملامح الانسانية والاخلاقية، يشكل نجاحاً مكتملاً، ونصراً ساحقاً مبيناً لمخططات الاستيطان والاستعمار والهيمنة على الموارد والمقدرات.
نعم، لقد بلعنا "الطُعْم" الذي رُمي لنا بتخطيط محكم لنتجرّع سمّه الخبيث، وما يجري في فلسطين والعراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر، وغيرها من بلاد العرب، ليس سوى أدلة ساطعة على ما نزعم. لكن المثير حقاً وسط هذه المؤامرة المكشوفة، من حيث أهدافها وتخطيطها وأدواتها وشعاراتها، أن تجد الكثيرين من بني جلدتنا لا زالوا مخدوعين مضلّلين، وقد جرفهم تيار الفتنة، الذي يسير بنا، بتسارع مذهل، الى المصير الرهيب. بل والأنكى من ذلك، أن يجهد منظرو الفتنة إيّاها في اقناعنا، بأن ما يجري ليس الا دفاعاً عن أصول الدين ونقائه (!). كما أن هذا الخلط المتعمد للأوراق، وسط التناقضات، وغياب العدالة والكرامة للمواطن العربي، يهدف، في المحصلة، الى تفجير الصراعات، واشاعة العنف، وإراقة الدماء، وتكريس الكراهية والظلم، وتدمير الانسان وكيانه الاجتماعي، في أسرته ومجتمعه ومصيره. هذه هي الحقيقة المرّة، مهما حاول البعض العيش في حالة الانكار لها، في محاولاته لتسويق مفاهيم "الثورات"و "الربيع" و"الحرب المقدسة"، ضد هذا المذهُب أو ذاك، أو هذه الجماعة أو تلك..!
إننا أمام منعطف بالغ الخطورة: فإما الصحوة الحقيقة لفهم الواقع، من خلال ما يخطط لنا ولهويتنا ونظامنا العربي، وتحديد رسالتنا التاريخية والحضارية والانسانية، أو الاستمرار في هذا الجنون الجماعي العربي الذي سيوصلنا، لا محالة، الى الهاوية والمصير المجهول لعقود طويلة. ولكن سيبقى الرهان معقوداً على حكماء هذه الأمة، الغيورين على مصالحها ومستقبل أجيالها ودورها الحضاري، من خلال رسالتها العظيمة، التي تحمل المعاني والقيم النبيلة، في الحرية، والعدل، والكرامة، والمحبة، والتسامح، وقبول الآخر، والانفتاح على العالم، والمساهمة الايجابية في بناء الحضارة الانسانية.
الدستور
Dr.zuhair@windowslive.com