وأعني بالكارثة، حل القضية الفلسطينية بما يلحق الضرر بالشعب الفلسطيني أي شطبها، وعلى يد من طرحوا أنفسهم منقذين لما تبقى من هذا الحق، وتلحفوا بالدين وتلك كارثة أخرى، لأن هذا الحل سيكون مشفوعا بالتشريع، وهذا يعيدنا إلى ما دار في العام الماضي من أحاديث دينية على الشاشات من قبول شيوخ أجلاء، تحدثوا عن صلح الحديبية وصلح الرملة وفتح مكة وما إلى ذلك من كلام حق أريد به باطل.
وحتى لا يكون الكلام عموميا لا معنى له، فإنني أتحدث عن خطوة إقتربت حركة حماس من إنجازها مع "مستدمرة " إسرائيل، توافق هذه المستدمرة بمقتضاه على إقامة إمارة إسلامية فلسطينية في قطاع غزة، ومن ثم يتم الإعلان عن حل سلطة رام الله تحت أي ذريعة، وتبدأ الإجراءات لضم أشلاء الضفة الفلسطينية إلى الأردن "الكبير"، وعندها يعلن عن شطب وإغلاق ملف القضية الفسطينية، ويكون هذا العمل الآثم قد تم على أيدي من قدموا أنفسهم حماة للشعب الفلسطيني.
قبل الغوص في التفاصيل غير المريحة ولا المطمئنة، نقول إن حركة حماس قد إرتكبت نفس الخطايا التي إرتكبها من جاءوا قبلها، وكانت النتيجة أن رأينا سلطة تعهدت بتنفيذ أوامر "دايتون" الذي أشرف على تدريب شرطة السلطة في الأردن، وأكد لهم عند إنتهاء أول دورة أن عملهم سيقتصر فقط على حماية إسرائيل وتوفير الأمن لها، وليس لتحرير فلسطين، ولهذا فإننا نرى التنسيق الأمني المشرع الأبواب بين السلطة وإسرائيل، وهذا ما يفسر اعتقال النشطاء الفلسطينيين في الضفة الفلسطينية يوميا على يد الجيش الإسرائيلي، دون أن يحرك أفراد الشرطة الفلسطينية ساكنا.
الكيّس من اتعظ بغيره، هذا ما كان على حماس أن تتنبه له، فهي حركة دينية، والجهاد العقدي كما معروف مرتبط بالإيمان بالله، ويقيني لو أن البداية الفلسطينية كانت بداية دينية عقدية، لما وصل الشعب الفلسطيني إلى ما هو عليه وفيه.
لقد نجح عراب التسوية في حماس د.أحمد يوسف البارع في حفر الأنفاق السياسية بإتجاه اوروبا، في حفر خط تفاوضي بين الإتحاد الأوروبي وحماس، وبالتالي بين حماس و"مستدمرة " إسرائيل، ويقينا أن هذا النفق ليس وليد اليوم أو الأمس، وقد كانت ألمانيا هي حاملة مفاتيح الاتصالات الحمساوية مع إسرائيل.
الرائد لا يكذب أهله، لذلك أٌقول ليس آسفا أن سلطتي رام الله وغزة المفروضتين على الشعب الفلسطيني، تتحملان المسؤولية كاملة عن مصير الشعب الفلسطيني، وما سوف يحدث له من كوارث، لأن فقدان الأمل باستعادة الحق، أشد تأثيرا من فقدان الحق نفسه.
فهما بالحرب التي خاضتاها في الضفة وغزة، والدم الذي سال والأرواح التي أزهقت نتيجة إنعدام الأمانة الثورية عند الطرفين، أجرمتا بحق الشعب الفلسطيني، وأعطتا مستدمرة إسرائيل كافة الذرائع للتنصل من الحقوق الفلسطينية، بحجة أن هناك سلطتين في الضفة وغزة، وأن الإسرائيليين لا يعرفون مع من يتفاوضون، وهنا لا بد من الصفعة، وهي أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن يإرتداد سيء على الشعب الفلسطيني، فمثل ما كتب الله الإنهيار على مملكتي يهوذا والسامرة العبرانيتين، ها هو الله يقرر أيضا إنهيار سلطتي رام الله وغزة، ولا أسفا عليهما.
قلنا إن إنهيار السلطة في رام الله بات وشيكا، رغم كل ما قدمته لمستدمرة إسرائيل من أمن وأمان وتطبيع وتنسيق أمني، وأن إسرائيل التي لم تعط السلطة حتى شروى النقير، هي التي ستكون سببا في إنهيار السلطة، وها هي إسرائيل بعد أن نضجت حماس على نار التسوية معها، تحضر لها كفنها.
اللعبة إن صح التعبير، تكمن في أن إسرائيل تهيء الأجواء التي تريدها مع خصومها، وتضع لهم السم في الدسم، فرغم أن حماس وظفت الدين والحكم الشرعي للتصالح مع إسرائيل بذريعة الهدنة الطويلة، فإنها تزرع لها الخوارج الجدد فرع الخدمات السرية الإستخبارية الإسرائيلية "ISIS" المسمى داعش.
فمع تهافت المعلومات حول الإنجاز الألماني في إعلان جمع الطرفين الإسرائيلي والحمساوي، تدفقت المعلومات عن وجود كتيبة لداعش في غزة تطلق على نفسها "كتيبة الشيخ عمر حديد"ا، لتي اطلقت مؤخرا خمسة صواريخ على المستدمرات الإسرائيلية، وأن ذلك أثار حنق وغضب قادة حماس الذين عرضوا التفاوض مع هذه الكتيبة الداعشية.
وعلى الفور قام الجيش الإسرائيلي بإجراء مناورات عسكرية تحاكي مواجهة الصواريخ من لبنان وغزة، وهذا مؤشر، لأنه وبحسب التسريبات الأمريكية فإن داعش سيغزو غزة ويطلب من حماس مبايعتها، لكنها ترفض وعندها يقرر الخوارج الجدد داعش شن الحرب على حماس، وستتدخل قوى إقليمية أخرى مع الجيش الإسرائيلي للقضاء على حماس بعد أن يتم الإتفاق رسميا بين حماس وإسرائيل.