الفرق شاسع بين كتابة لا تتعدى تركيب كلمات وتتخذ من حدث عابر موضوعا لمقالة، وبين الكتابة كحالة إبداعية..

في الحالة الأخرى يسيل القلم بدون استجداء وبلا حيرة في اختيار العنوان وبدون انتظار أحدهم ليقترح عليك موضوعا، هي كما الحب ، كما الموت، تغافل صاحبها بل وتجبره على النطق المكتوب، مثل هذا النوع تبقى مدة صلاحية قراءته طويلة وطويلة جدا.. هي لا تتحدث عن "ضمة بقدونس" ولا عن"طبيخ الجارة"، هي قد تتخذ من الخاص منطلقا نحو العام الذي لا يسقط مع تقادم الزمن.

هنا أتحدث كقارئة لا ككاتبة، وفي الحالتين اعتدت أن اكون صريحة وواضحة الى درجة جلب كراهية الآخرين، وأقول: إن مستوى الكتابة الصحفية ومستوى كتابة المقال في تراجع والكثير منها لا يستحق الدقائق التي قد نقتطعها من وقتنا في قراءتها.

هنالك نوع من الكتابة التي تشعرك بأن كاتبها يمارس مهنة من أجل تقاضي راتب آخر الشهر، وهنالك نوع قد يكون جادا لكنه أشبه ما يكون بالتقرير الممل خاصة وأن أسهب فيه الكاتب كما لو كان يكتب بحثا.

والقارئ في مجتمعنا ليس لديه جلد على القراءة ويفضل المقالة القصيرة ولذا فإن الكثير من الكتابات الناضجة قد لا تلقى قارئا بسبب طول المقالة.

قد يغضب زملائي من هذا الطرح لكنني أقولها بكل قناعة: الكتابة في الصحف يجب ان تكون بلا أجر، ان كنت مبدعا فإن ما تصبو اليه هو ان يصل إبداعك للقارئ، وان كنت صاحب رسالة فإن هدفك ايضا ايصال هذه الرسالة، وعليه ليكن لكل كاتب مصدرا آخر للرزق خاصة وأن معظم الكتاب لديهم تخصصات بعيدة عن عالم الصحافة والأدب.

وباعتقادي لو أن الصحف انتهجت نهج الكتابة بلا أجر فإنها ستحقق ثلاثة أهداف، أولا : ستخفف من العبء المادي وتنقذ ميزانيتها ولو نسبيا، ثانيا، ستفرز مقالات وكتابات تستحق القراءة، ثالثا: سيبقى فيها من هو مبدع بحق وسيختفي الممتهنون.

عن نفسي وإذا سألتموني: أذكر ان اول موضوع كان لي في الرأي الثقافي وهاتفني حينها الكاتب خيري منصور ليقول لي ان موضوعك كان الافضل في الملحق الثقافي وان لي مكافأة رمزية، حينها كنت في بداياتي، وأجبته: لا اريد المكافأة الشهادة وحدها تكفيني.

وحينما استكتبت وبكل الصحف كنت -وبلا فخر- الاكثر قراءة والاقل أجرا ولم أراجع أحدا بالشأن المالي، لسبب بسيط أن مقالتي بالنسبة لي حالة تجبرني على الكتابة ، والكتابة موقف ورسالة ونافذة اتنفس منها وليست مصدرا للتكسب.

Dr.maysaquraan@yahoo.com