بدءا لا علاقة لما سأقوله بالسلاح النووي بمعناه الكيميائي الدقيق لأن ذلك شَجَنا آخر، وقد دمّرت الولايات المتحدة ثلث هذا الكوكب بحجة التخلص منه وإن كان العراق هو الأمثولة وليس المثال فقط.
ما أعنيه بالتقاليد النووية هذه السّطوة شبه الأبدية على مجتمعات تولد مكبّلة بألف قيد وقيد وبدلا من الحذاء الصيني الذي كان يستخدم للأطفال من الاناث كي تبقى أقدامهن صغيرة ثمة من يولدون والجبس يحشر ادمغتهم داخل اقواس وشرانق وتعريفات يجب عدم مناقشتها، والتقاليد النّووية أقوى من القانون ولا تقيم وزنا للمنطق بدءا من ارسطو، لأن النتائج بالنسبة لها لا ترتبط بأية مقدمات، وعلى المرء ان يصدّق مثلا بأن سحابة من الدخان او الغبار تعِد بالمطر، او ان للسلاحف اجنحة تحلق بها عاليا، وهذا النمط من التقاليد مدجج بأسلحة لا حصر لها، فهو يمارس النّبذ والاقصاء وكل اشكال العقوبات بلا محاكم وبلا محامين، لأن التقليد عندما يتوغل في السطو على التفكير يصبح تَقْريدا اي اعادة الآدمي ملايين الاعوام الى الكهف، وقد يكون احد اهم اشكال الصراع في التاريخ بين التقدم والتخلف هو هذا الصراع المزمن بين التقاليد والمنطق، وبين الإتباع والابداع.
واحيانا تفتك التقاليد اذا كانت عمياء ومسلحة بشعوب ومجتمعات اكثر مما تفتك بها القنابل النووية لأنها تبقي الناس احياء لكن بلا عقول، او كما قال الفرنسي هنري ميشو تقطع الألسنة فقط وتبقي الرأس حيّا، لهذا كان يفخر على الأوروبيين قائلا: إن فرنسا إما أن تقطع الرأس كله بالمقصلة أو تبقيه بخلاف دول اخرى تكتفي بقطع الألسنة فقط!
ولا ندري من اين جاءت القداسة لتقاليد هي اختراع بشري وأرضي بامتياز، وتستمد شرعيتها الوحيدة من مجرد التكرار والوراثة والامتثال، انها احيانا تتحول الى زنازين تعوق السّجناء فيها عن النمو بكل المقاييس .
ومن لا يصدق ان للتقاليد مثل هذه القوة النووية عليه أن يراقب الليبرالي والماركسي والقومي والمتدين وهم يتكررون كنسخ كربونية إذا أزفت مناسبة للكشف عن حقائقهم!
الدستور