نتيجةً للقهر والظلم والاستبداد والفساد، وعدم توزيع عوائد التنمية، تحركت العديد من الشعوب العربية من أجل التحرر والمشاركة في القرار السياسي على أسس ديمقراطية تستند إلى الحرية والعدل والمساواة، ولكن الربيع العربي لم يبقَ ربيعاً عربياً بل تحول إلى دمارٍ عربيٍّ شاملٍ تحتاج فيه هذه الشعوب إلى جيلين أي ما يقارب 40 عاماً من أجل إعادة الأوضاع لما كانت عليه.
إن ما حصل ليس مؤامرة بل مخطط مدروس رُسِمَ لكل ما يجري، وهذا المخطط يقوم على تنفيذة استخبارات القوى الدولية، والقوى الإقليمية الصاعدة في الجوار الجغرافي، والتساؤل القائم: من هو المستفيد من هذا الدمار؟ ومحاولات التجزئة على أسس طائفية، دينية أو عرقية؟!
استغلت إيران الحالة وتدخلت في كلٍّ من : العراق، لبنان، سوريا واليمن؛ وذلك حمايةً للمكون الشيعي، وأخذ التدخل أشكالاً عدةً منها العسكري، والمالي والإسناد والتخطيط والمشاركة الفعلية من قوات الباسيج "حرس الثورة الإيرانية"، فحالة الفوضى دفعت إيران لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري للوصول إلى الهيمنة الكاملة على القرار في هذه الدول والتي تتسم بمفهوم الدولة الفاشلة "Failure State" بالمعنى الحقيقي، وفشلت بغداد من إقامة جيش وطني متكامل لحماية البلاد والعباد، وعليه فقد تحركت إيران وأعوانها إلى إنهاء الوجود السني في المحافظات ذات الأغلبية السنية، فوقع السنة بين المطرقة والسندان من جهة إيران وقوى الحشد الشيعي والحكومة، ومن جهةٍ أخرى قوى ما دون الدولة مثل داعش وأخواتها.
إن ما يجري في سوريا من دمارٍ على رقعة الوطن السوري هو لحماية المكون العلوي ليبقى في الحكم على حساب كل المكونات الاجتماعية وبدعمٍ كاملٍ من إيران وحزب الله في لبنان، واليمن هو دعم ما يُدعى بالحوثيّ "الزيدية" على حساب كل المكونات الآخرى . فالأدوار التي تقوم بها إيران هي تدخلات سافرة في الشأن العربي المفتوح لكل القوى وأدوار مشبوهة ولكنها معلنة.
إن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية يهدف إلى إعادة الشرعية السياسية في اليمن ومنع مكون اجتماعي واحد من السيطرة على الحكم والدولة، وفي نفس الوقت قولاً فصلاً لإيران بضرورة وقف تدخلها في الجزيرة العربية والدول العربية الأخرى؛ لأن ما تفعله إيران يشكل تحدياً استراتيجياً للمصالح العربية العليا، وعليه فإن ما تقوم به السعودية يشكل نقطة الانطلاق لوقف التمدد الإيراني وإنهاء هذه الهيمنة المزعومة.
إن المطلوب من إيران اليوم وقبل غدٍ احترام دول الجوار العربي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة هذه الدول واحترام العلاقات التاريخية لشعوب المنطقة ووقف اللعب على وتر الطائفية المقيتة، إن الشيعة العرب هم عرب اقحاح وجزء من المكون الاجتماعي للعديد من الدول العربية ولا يتجاوز عددهم 12% من مجموع السكان في الوطن العربي ولهم ما للسنة وعليهم ما عليها فلا سنة أو شيعة هم مسلمون ومواطنون أحرار جزءٌ من المكون الاجتماعي العربي، فأحلام الامبراطورية الإيرانية ستنكسر على صخرة العروبة ولن تكون ما دام الدم العربي يجري في العروق، ناهيك عن الوضع الدولي عامةً والوضع الداخلي لإيران لا يسمحان بالمطلق حدوث ذلك ، وعليه فإن على القيادة الإيرانية العودة للحكمة والعقلانية والرجوع عن كل هذه الأحلام والتوجه نحو الواقعية السياسية باحترام العرب في دول الجوار وإلّا سيتسع إطار التحالف العربي بقيادة السعودية التي لن يهدأ لها بالٌ دون الانتصار الحقيقي على الأرض.