الأردن لا يتوسع ولا يتمزق
فايز الفايز
21-06-2015 04:41 AM
منذ نشأت الدولة الأردنية كمكون سياسي على امتداد هذه الأرض ،كانت هي «الأصغر» في نظر الدول الشقيقة «الأكبر قليلا»، أو الأقدم كثيرا كدولة لا يحكمها العرب ، ورغم أنها واحدة من مخرجات التقسيم العالمي لما بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الامبراطورية العثمانية فإنها لم تسلم من الحسد ونظرة الإستصغار التي كانت أنظمة عربية وقادة يمارسونها ضد هذه الدولة، وكانت محاولات التوسع الجغرافي على حسابها من أبسط وأسرع الأفكار التي كانت تطرح ضمن مشاريع العروبة والقومية والتحرر والمقاومة وهاهي تلك الدول قد انهارت مشاريعها وذهب أصحابها الى مصيرهم الطبيعي،سطر في التاريخ ،فيما بقي الأردن متماسكا موحدا ، وتم تعديل حدوده البرية والبحرية حسب مصالحه السياسية،جنوبا وشرقا وشمالا ، ولا تزال الحدود الغربية عالقة بسبب الاحتلال.
ولعل اكثر ثلاث دول كانت تُمارس انظمتها دور «ضرّاب السخن» ضد الاْردن المتواضع في قدراته سابقا هي سوريا ما قبل الأسد ، والعراق ما قبل صدام حسين ومصر ما بعد الملك فاروق ، فكان المد الناصري والتحالفات المبتدعة والقفزات الوحدوية المبنية على الآمال لا على الأعمال ،كانت تحاول ابتلاع الدولة الاردنية وجعلها ولاية جنوبية تتبع دمشق القديمة ، أو ملحقية سياسية تتبع الى فسطاط عبدالناصر ، فيما الثورة العسكرية العراقية عام ١٩٥٨، التي عبأها «أفيون ناصر» أطاحت بآخر ركائز الإنسانية التي كانت الدولة العراقية تعتمدها حيث ارتكب الإنقلابيون مجزرة ضد العائلة الهاشمية الحاكمة ما فتح بوابة جهنم فتتالت الانقلابات حتى أرساها صدام حسين ، قبل احتلال العراق واستبداله بحكام مايكروفونات ، لتلحق به سوريا الذي تبث قيادته من طهران.
المشكلة ان هناك الكثير من جيل شبابنا لا يعرف التاريخ السياسي الحقيقي للأردن ، والذي حقق الشعب الأردني وزعاماته السياسية الحقيقية انتصارا عظيما للدولة وحماية النظام خلاله ، وهم لا يدركون كثيرا أن الاْردن الذي نجا من الإنفجار العربي الكبير الذي أحرق الشعوب ومزّق الاوطان ودمر بنى الدول التي ضربها ، كان من الأسهل على أي كاتب سيناريو لدمار المنطقة أن يتوقع مصير الاْردن قبل دول أكبر وأقوى كالجارتين العراق وسوريا ومصر الكبرى، ومع ذلك بقي الاْردن قويا مستقرا متكافلا متلاحما بفضل وعي المواطنين ، وصبرهم رغم ما يجري عليهم وتبدل الحكومات وتزايد فاتورة المعيشة ،وانسداد الأفق وتآكل جدار الصبر.
الاْردن لن يتمدد، هذا هو المختصر المفيد بلا شتائم ولا اتهامات ولا تخوين لآراء الآخرين ، فليس لديه أي أطماع في أراضي الجوار العربي رغم أنها ساقطة عسكريا وأمنيا وهي محل خطر كبير على الحدود الأردنية ، وقبل حوالي ثلاث سنوات ناقشنا هذه القضايا في اجتماعات أهل القرار ، وكان الرأي منحازا لإقامة منطقة عازلة لا تخضع لسيطرة أي من القوى المتقاتلة تحت قرار الأمم المتحدة ، ومع هذا كان الرفض هو قرار المسؤولين الأردنيين، وبعد كل هذه السنوات من التساقط المناطقي في سوريا والعراق وسيطرة التنظيمات والمليشيات، لم يفكر الأردن بمجرد «جولة خيالة» لاستكشاف مناطق الصراع، وهذا خطأ برأيي الشخصي، ومع ذلك يؤكد الأردن على وحدة سوريا وبقاء دولته بغض النظر عمن يحكم.
الاْردن عليه أن يعيد تموضعه على حدود الدولة السورية المنهارة ، فنظام الأسد في غرفة العناية الحثيثة ويتنفس عبر الأوكسجين الإيراني ، ويتم ضخ دماء من المتبرعين لإبقائه مستيقظا ، وكل ما حوله من مقاتلين ومتقاتلين ومليشيات وتنظيمات ستكون معولا سيهدم ما تبقى من سوريا ، والخشية أن نستيقظ فلا نجد جارنا الشمالي في قصره بدمشق ، والفوضى أكثر من الآن بألف مرة ، فماذا سنفعل حينها ، هل سنصمت ونبقى مكتوفي الأيدي ، أم ستبقى مهمتنا إنسانية مجانية نستقبل فيها المزيد من المهجريّن ،على حساب مواردنا.
لقد خاض العديد من الكتاب والسياسيين في فكرة ليست محرمة ولكنها غير واقعية موضوعها توسع المملكة الأردنية وهي ليست سوى فكرة حلم لشخص الكاتب ، ولكنها قد تكون ملخص مشروع لحماية حدودنا والبلاد الشامية من السقوط في بحيرة من الفوضى الظلامية والإجرام والإرهاب ، واستقرار التنظيمات التي عبرت عشرات الحدود لتصل الى حدودنا ، ولا يمكن لعاقل أن يقبل أن يتحول جنوب سوريا الى البقاع اللبناني زمن الحرب الأهلية، ولا الخنوع أمام تصريحات المسؤولين السوريين الخرقاء التي تسبب سياستهم بجلب كل هذه الوحوش الى بلادهم، فالأردن يكفيه ما فيه ، دون تدخل إلا بما يخدم مصلحته ولن يتمزق لأنه شعبه متوحد.
Royal430@hotmil.com