يحتاج الصائم الى أوقات اضافية من ساعات الصوم لاستكمال مشاهدة المسلسلات الرمضانية المبثوثة على كل شاشات الوطن العربي الخاصة والرسمية، فالقنوات الخاصة والرسمية تختلف فيما بينها ولكنها تتفق على جاذبية رمضان ومسلسلاته التي تستعيد أغلبها أجواء (المسخرة) الحياتية في شهر المغفرة الرحمانية , والغريب أنها معدًّة خصيصا لشهر رمضان المبارك , الذي نحتاج فيه كأمة اسلامية وعربية الى مراجعات كثيرة وشديدة وليس الى مراجعة دفاتر الايام قبل رمضان من سهر وخيانة وسُخف وما تيسر من صفاقات اجتماعية .
شاشاتنا الوطنية لو انفقت موازنة الشهر الفضيل على الانتاج الهادف المحلي من مسلسلات وبرامج ثقافية وتوعوية لأثرت الحركة الفنية الاردنية والثقافية ايضا , بدل انفاقها على شراء مسلسلات في مجملها هابطة ومخالفة للذوق العام في رمضان وغيره من الأشهر وغير منتجة على الإطلاق وطنيا , فمجملها مسلسلات مصرية تحاكي حالة التجريف السائدة في مصر الآن , وهي حالة فرضت إيقاعها السياسي والاجتماعي والثقافي الذي تخجل منه مصر المحروسة التي قال الله عنها في كتابه « ادخلوها بسلام آمنين « , فالإعدامات في مصر تشهد حالة تنزيلات تشابه تنزيلات المولات التجارية والعنف المقابل منثور بالمجان على طرق محافظات مصر ولا أخال الشام ومسلسلاتها بعيدة عن المشهد المصري كثيرا خاصة بعد طبخها في استوديوهات الخليج التركي .
لست من المتشددين الذين يرون في رمضان شهر عبادة فقط , ولكنه ليس شهر رفاه فضائي بالمقابل ولا شهر تسلية , فما تفعله فضائيات العرب يحتاج الى ان يصبح رمضان شهرين كحد ادنى لانهاء الدورة البرامجية المصنوعة بعناية لقتل اوقات العبادة الروحانية وتهذيب النفس البشرية , حيث تبدأ العروض بعد العصر لتستمر طوال الليل والفجر في عرض متواصل , ولربما هذه حسنة حيث يستطيع الانسان القيام بواجباته الدينية وحضور المسلسل الذي يريد , طبعا على حساب عمله وقوت عياله واداء وظيفته , لأن هذه الفضائيات تختار الاكثر شعبية في اوقات الفجر والتراويح والثانية روح رمضان والاولى نكهته الخاصة وأول متعة وبهجة لنفس الصائم .
التعامل مع رمضان الفضيل بهذه الصورة الاستهلاكية الموجعة جزء من تغذية الارهاب واسعافه وتوفير عمليات الانعاش له , فالمسلم الأميل الى فهم رمضان كشهر عبادة وعمل , تثيره تلك النمطية في ضوء غياب كامل للبرامج الدينية التي تثري الحوار وتثير حفيظة العقل وتستفزّه للتفكير والمراجعة , فكل البرامج الدينية ممجوجة ومعظمها مكرورة لدعاة ملولين وضجرين بالناس لأن الناس ضجرة بهم , أو نمط الداعية (الحكواتي) الذي يسرد التاريخ والسيرة فقط , ناهيك عن الاسئلة المعادة في كل امتحان رمضاني , حتى تمنى طلبة الثانوية تكرار الاسئلة على شاكلة اسئلة رمضان الفضيل!!
شهر رمضان يتعرض على أيدي الإعلام العربي الى عملية تجريف خطيرة تريد قتل الروحاني في الشهر الفضيل وتريد تكثيف عملية الكسل حتى بات رمضان اجازة وطعاماً واشياء اخرى , فكل العروض للاطعمة والمشروبات والاتصالات ولا مكان لقيمة العمل , فالمسلسلات عرض متواصل وأغلبها هابط والبرامج الثقافية – المسابقات – تصل حد التفاهة والجلوس أمام الشاشة ببلادة سيد الموقف الرمضاني , ولا مكان لتحفيز العمل وقيمته وطبعا فقد سقطت مفردة الجهاد كمعادل موضوعي للصوم في كل الاقطار العربية .
رمضان شهر مغفرة وشهر عمل وشهر طاعات وشهر سَمر ومودة وعلاقات اجتماعية ورحمة وتواصل , ونحتاج الى تعميق ثقافته فينا وفي الأجيال القادمة من خلال الاستعداد له بالوعي والثقافة وليس بالمسخرة والفن الهابط حتى صار رمضان سوقا للأعمال التلفزيونية , وليست هذه فلسفة الشهر وقيمته كحامل للركن الثالث من أركان الإسلام .
الدستور