حصة دراسية كاملة قضاها استاذنا النابلسي وهو يتحدث لتلاميذه الصغار في الصف الثالث الابتدائي وفي منتصف الخمسينات وانا منهم بان فاتن حمامة ستكون في نابلس وسنكون في استقبالها...!
لا اتذكر كم دفع كل تلميذ سيشارك في الرحلة ولكنها بالاجمال لاتزيد عن عشرة قروش.وذات صباح فوجئنا بحافلة هرمة من طراز فورد تتهادى في سيرها من بعيد وهي تقطع (ارض َحمار) من سهل مرج بن عامر الخصيب وبعد دقائق قليلة وصلت مدرسة قرية (طمون) الابتدائية من نواحي طوباس ولواء جنين ...
واستغرب سائق الحافلة الذي كان حاسر الرأس عندما رأى جميع ركاب حافلته من طلاب واساتذة حتى الاساتذة النوابلسة يعتمرون الكوفيات البيضاء والعقال باستثنائي لانني لاجئ الى هذه القرية مع والدي واخوتي من قرية بعيدة من ارض فلسطين 48 اسمها (الولجة) جنوب غربي القدس بفلسطين المحتلة .
اتذكر اننا بدأنا في الغناء ومن الاغنيات التي رددناها: دُمت يا شبل الحسين...! وعائدون.. واغان اخرى جادة، وبعد اكثر من نصف ساعة كنا في نابلس وتجولنا في هذه المدينة المبهرة ونحن نتحلق حول استاذنا النابلسي الذي يذكرني بالسواح الاجانب في البتراء في هذه الايام فقد كان لا يتقن لبس كوفيته وفوقها عقاله كالاخرين في القرية فقد كان عقاله الكبير غارقا حول حواف رأسه وبصورة مضحكة ومسلية لبعض التلاميذ الخبثاء في مدرستي ولكثير من اهل القرية.
كل نحو عشر دقائق كنا نسأل استاذنا: اين فاتن حمامة التي لا نعرفها الا منه فطالما تحدث لنا قبيل الرحلة بايام عن ذكائها وجمالها طويلا ..
لا اتذكر كثيرا ماذا اكلنا في نابلس والتي تنام بين عدة جبال.. فمعظمنا قد جاء بطعامه من منزله وقلة منا اشترى كعكة و بيضة مسلوقة لا يتعدى ثمنها قرشا واحدا ليس غير ومن بائع لهذا الكعك والبيض لم اسمع اعذب من صوته الرخيم وهو ينادي على بضاعته وينعتها باجمل الاوصاف والخصال ومنها انه ساخن وطازج و..!
في الساعة الرابعة مساء ولاول مرة في حياتي ارى اضوية الكهرباء.. قادنا استاذنا الى سينما العاصي لنشاهد فيها فاتن حمامة ومن خلال فيلم (صراع في الوادي) ومع شاب (فاتن الالحاظ) هو الممثل عمر الشريف الذي طاله ويا للخسارة مرض الزهايمر قبل ايام كما نقلت الاخبار ..!
لا ادري كم عدد القبلات في الفيلم التي تبادلها فاتن وعمر لكنها كانت كثيرة وصادقة من فتاة هامت به واطل على حياتها في مرحلة قلق وتوتر مع زوجها المخرج عز الدين ذو الفقار ومن اجل راقصة مجهولة ..!
لم نشعر بالغبن او ان استاذنا كذب علينا لاننا لم ندخل السينما (الفن السابع) من قبل فقد صدق كثير منا في حينه ان هذه هي فاتن حمامة بلحمها وشحمها ..
في المساء وصلنا بالحافلة الهرمة هذه الى القرية وكان معظمنا نياما و انا منهم واذكر ان ابي رحمه الله هو الذي ايقظني من نومي وبعد يوم متعب..ولكنه جميل ولن يُنسى ابدا ..!
Odeha_odeha@yahoo.com