الملوخية أكلة معروفة واصيلة في المطبخ المصري واللبناني والفلسطيني ...ولا شواهد على انها كانت معروفة في البلدات الاردنية قبل اللجوء الفلسطيني لشرق الاردن عام 1948..ولا يوجد ذكر لزراعتها شرقي نهر الاردن قبل ذلك التاريخ.
قبل عقود كان الباعة المتجولون في عربات الخضار ينادون على الملوخية "حبش يا ملوخية" ولم اكن اعرف المقصود بذلك لانني لم اكن احبها انذاك ولم اتعود على مذاقها...
المصريون يفرمونها فرما ناعما ويغرقونها بالتقلية ويعدون الدجاج او الارانب خارج الملوخية... في حين ان اللبنانيون يحضرونها من الورق كاملا دون تقطيع مع وافر من الكزبرة والثوم والحامض ويكون الدجاج مسحبا داخلها..
في الايام الاولى التي تدرب اقاربي ممن هاجروا الى عمان في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كانو يعدونها كما يعدون الرشوف بحيث يزجون قطع الدجاج في الماء المغلي مع كمية من اوراق الملوخية الناشفة او الخضراء وتبدو كحساء يتم تناوله مع الارز في ايام الجمعة بديلا عن المنسف او المقلوبة الذين كانا اكثر حضورا من الطبق الذي لم يحسنوا صنعه بعد.
اليوم لفت انتباهي وانا اعبر منطقة الاغوار الجنوبية اعداد الحقول المزروعة بالملوخية واعداد البسطات والباعة الذين انتشروا على طول الطريق المحاذي لغور الصافي وفيفه والمناطق المجاورة لهما..
عشرات الشباب والرجال والصبايا منشغلون بجز المحصول وفصل الاوراق اليانعة عن الاعواد الحاملة لها...الحقول بدت اكثر خضرة وخصبا والمحصول يبدو اكثر غرابة وجاذبية للسواح الذين توقفوا للاستفسار عن التحول من زراعة البندورة والباذنجان والكوسا والفلفل الى الملوخية.
الكثيرون من اصحاب المزارع بدأ لي انهم اكثر بهجة بمحصولهم الجديد الذي يحين قطافه هذا العام مع حلول شهر رمضان حيث يقبل الناس على اعداد اطباق الملوخية التي اصبح يحبها الاردنيون كما المصريون واللبنانيون والمهاجرون السوريون.
فالطبق الذي اصبح واسع الانتشار وأحد اهم خيارات ربات البيوت اليومية يعزز الطلب على انتاج الاسر التي لم تعد تخشى اختناق السوق وتعثر التصدير الذي طالما دفعهم لالقاء محصولهم من البندورة على طوال الطريق احتجاجا على الاجراءات البيروقراطية الحكومية التي افتقرت الى تقدير حساسية اوضاعهم ومدى معاناتهم.
مثل العديد من العابرين للطريق الواصل بين العقبة وعمان مارا بوادي عربة والاغوار والبحر الميت قادني الفضول للتوقف اليوم في بئر مذكور للحديث قليلا مع الشباب العاملين في الاستراحة الوحيدة الواقعة على بعد 111كم من العقبة ...ثم ما لبثنا ان اكملنا سيرنا باتجاه عمان مرورا بالاغوار الجنوبية....
لا معلومات دقيقة لدي حول احساس المزارعين وجدوى زراعتهم الجديدة لكنني تخيلت ان الاقبال على زراعتها بهذه الكثافة لا بد ان يكون اكثر جدوى من زراعة الخضار الاخرى العرضة للتلف ...فالملوخية يمكن ان تجفف وان يجري تجهيزها في كل الفصول والاوقات...
تلقيط الملوخية وتكييسها وتجهيزها للبيع عمل يقوم به كل افراد العائلة ويضع بين ايديهم بدائل تخفف من ضغط شراء العبوات والقطاف والنقل..وتبقي احتمال تجفيف ما لا يمكن تسويقه واردا.. تحية لاهالي الاغوار الجنوبية وهنيئا لهم تحولهم الاقتصادي من البندورة الحمراء الى الملوخية الخضراء.