"الراية" و "الشماغ": الرسائل واليوم التالي .. !
حسين الرواشدة
14-06-2015 03:33 AM
اذا تجاوزنا حالة “ الغموض” المقصود – ربما - التي احاطت بما جرى في احتفال تسليم الراية الهاشمية للقوات المسلحة، ومشهد “قلب الشماغ” وما تلاهما من تصريحات عسكرية، فان اي محاولة للفهم لا بد ان تندرج في سياقين : الاول يتعلق بسؤال الرسائل التي انطوت عليها مضامين الاحتفال، والثاني يتعلق بما سيحدث بعد هذه الرسائل من “ تحولات “ في المسارات والتوجهات.
على صعيد الرسائل اعتقد ان خطاب المراسيم الجديدة كان موجها الى اربعة عناوين، الاول : الداخل الاردني، ومضمون الرسالة باختصار هو ان الدولة قوية وجاهزة لمواجهة اي خطر داهم، وهي اذ تثق بقواتها المسلحة فانها تحتاج الى “ظهير “ وطني موحد ومتماسك، كما انها تتطلع الى "خيارات" او اضطرارات جديدة ربما تفرضها المستجدات التي تعصف بالمنطقة، وهذه سيترتب عليها اثمان وتضحيات، وبالتالي لا بد من الاستعداد لها، اما العنوان الثاني فهو “الاقليم” ، ومضمون الرسالة للجوار هنا يحمل ابعادا تاريخية يمتزج فيها السياسي بالعسكري، فهي تذكّر من جانب بالشرعية الدينية التي استندت اليها الثورة والدولة، ومن جانب اخر بالقوة التي يمكن ان تستثمر لرد الاعتبار او رد العدوان، وهنا يبدو الخطاب تذكيريا وتحذيريا في آن واحد.
يبقى عنوانان آخران، احدهما تتوجه رسالته الى مصادر التهديد، وهي تتمثل على ما يبدو في “الارهاب” القادم من وراء الحدود، وبالاستقواء على الاردن سواء من قبل التنظيمات المسلحة او الدول التي تدعمه وتشجعه، والرسالة هنا تقول : ان الدولة تدرك حجم الخطر وتعرف من يقف وراءه وهي مستعده لمواجهته، وقد تحولت فعلا من دائرة الدفاع الى دائرة “الردع” و”ستقطع الايدي التي تمتد اليها من الكتف” ، اما العنوان الاخر فهو “الخارج” الدولي ، والرسالة مفادها ان الاردن يخوض حربا ضد الارهاب، وهي حربه بالتأكيد، لكنه ينتظر من المجتمع الدولي ان يقف معه، كما انه يريد ان يدرك هذا المجتمع ان الوقت الان لا يسمح باي حديث عن الاصلاح السياسي، كما انه لا يسمح باي اعتذار عن عدم الاستمرار في التحالف ضد هذا الخطر الذي يهدد المنطقة والعالم ايضا.
حين ندقق في هذه الرسائل ومضامينها نكتشف ان الجهة التي صممتها تعمدت ان تحمّلها بما يلزم من “ رموز” وان تحيطها بهالة من الغموض، وان تترك للمتلقين ان يفهموها كما يريدون، لكن السؤال : هل وصلت حقا هذه الرسائل ، ثم كيف جرى فك “شيفرتها” وماذا نتوقع ان تكون االردود عليها..؟
حتى الان، ليس لدي اجابة واضحة، لكن المؤكد اننا ذاهبون الى خيارات جديدة، وهي كما يبدو خيارات تحركها الماكينة العسكرية والامنية لا السياسية، ويمكن لهذه الخيارات ان تشكل تحولات تفضي الى مقررات تتناسب مع “استحقاقات “ ما بعد الرسائل، او إن شئت الدقة فانها تحتاج الى آليات للاجابة عن سؤال اليوم التالي، وربما تكون هذه الاليات على شكل اعلان حالة الطوارئ، او تشكيل حكومة جديدة برئاسة جنرال عسكري، او الانتقال من حالة الدفاع الى حالة الهجوم بما تقتضيه من القيام بمجهود عسكري وراء الحدود، او ربما تجييش الرأي العام استعدادا لمفاجآت مقبلة.
مهما تكن طبيعة هذه الخيارات، فان ثمة مسألتين مهمتين لا بد من وضعهما في الاعتبار، الاولى تتعلق بالارض” الصلبة” التي يتوجب ان نضع اقدامنا عليها، والصلابة المقصودة هنا تحتاج الى جبهة داخلية متماسكة وواقع اقتصادي مطمئن، ورأي عام مقتنع بالفكرة ومؤمن بها ومستعد للتضحية من اجلها، وماكينة سياسية تتحرك بفاعلية ، ومؤسسات قادرة على تمثيل الناس وانتزاع ثقتهم، اما المسألة الاخرى فهي ضرورة فك الغموض الذي تحملته الرسائل والمقررات، خاصة للداخل الاردني، لكي نعرف من هم حلفاؤنا ومن هم اعداؤنا، والى أين نحن ذاهبون فعلا ، وما الذي نريده وما يجب علينا ان نفعله.
ما فهمناه حتى الان هو اننا نواجه تهديدا خطيرا، وان لدينا من القوة والغضب ما يمكننا من الرد عليه، لكننا حتى الان لا نعرف كيف سنواجهه، ولا اين ومتى سنبدأ هذه المواجهة، كما اننا لا نزال بانتظار ان يكسر السياسي “عصا” صمته لكي يفك لنا ألغاز “الشيفرة” التي استقبلتها لواقطنا على اكثر من ذبذبة.
الدستور