ماذا تغير في تركيا بين جولتين انتخابيتين؟
ياسر زعاتره
13-06-2015 04:25 AM
ربما بسبب الحساسيات الطائفية والعرقية، يعزف الناس عن قول الحقيقة في بعض الأحيان، وهذا ما حدث عمليا في تقييم الانتخابات التركية، إذ ذهب البعض بعيدا في تفسير حصة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، من دون أن يلتفتوا إلى حقيقة ما جرى آخذين في الاعتبار قانون الانتخابات المعتمد في تركيا.
حدث تراجع بالفعل من 49 في المئة من الأصوات في الانتخابات الماضية، إلى حوالي 41 في المئة في الانتخابات الحالية. أما الحصة من المقاعد، فكانت نتاج القانون الذي يمنح أصوات الأحزاب التي لا تتخطى نسبة الحسم، وهي 10 في المئة للحزب الأعلى في الدائرة، وكان في الغالب حزب العدالة والتنمية.
ما جرى هو أن الحزب كان يحصل على الجزء الأكبر من أصوات الأكراد، حين لم يكن هناك حزب يمثلهم في الانتخابات، وحين جاء الحزب، انحازت غالبيتهم الساحقة إليه، وهذا هو الشق الأكبر مما خسره حزب العدالة والتنمية من الأصوات، والفرق بين ما حصل عليه حزب الأكراد (الشعوب الديمقراطي)، وبين ما خسره العدالة والتنمية من أصوات هو نتاج الفرق في قوة التصويت بالنسبة للأكراد الذين تدفقوا بشكل أكبر هذه المرة بدافع عرقي بكل تأكيد.
لو كان النجاح الاقتصادي الذي يسيطر على عقول الناس غالبا هو ما يمنح الأصوات، لكان على حزب العدالة والتنمية أن يحقق أكثر من ثلاثة أرباع الأصوات بكل سهولة؛هو الذي حقق قفزات كبيرة على هذا الصعيد، وتمكن من تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية باقتدار، وحقق للمواطن مكاسب لم يكن يحلم بها في يوم من الأيام.
لكن الواقع يقول، إن النجاح الاقتصادي، وغير الاقتصادي لا يلغي بأي حال الحساسيات العرقية والطائفية، وكذلك الأيديولوجية، لا سيما أننا في زمن يمكن توصيفه بأنه زمن انفجار الهويات، وحين يصوت الاسكتلنديون لحزبهم القومي في الانتخابات البريطانية الأخيرة؛ متجاوزين حزب العمال الذي كان أغلبهم يصوتون له تقليديا، فهذا يعكس هذا البعد الذي نتحدث عنه، فضلا عن ميل ما يقرب من نصفهم نحو الاستقلال عن المملكة المتحدة، رغم ما ينطوي عليه ذلك من أضرار اقتصادية عليهم.
في تركيا، لم يكن لغالبية العلويين، ومعهم غلاة العلمانيين أن يصوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية، وهم لم يفعلوا ذلك سابقا، وظلوا على ولائهم لحزب الشعب الجمهوري، فيما صوت القوميون الأتراك لصالح حزب الحركة القومية، لأن خطاب أردوغان الإسلامي لا يناسبهم، فضلا عن مصالحته التاريخية مع الأكراد.
بل إن العلويين هذه المرة كانوا أكثر تشددا، وربما حماسة للتصويت من المرات السابقة (نسبة التصويت التاريخية دليل ساطع)، وطبعا بسبب تداعيات الأزمة السورية، وانحيازهم لنظام الأسد وعلويي سوريا، مقابل وقوف أردوغان وحزبه إلى جانب الثورة، وقد نضيف هنا إلى ذلك بعض حساسيات أتراك آخرين تأثروا بما جرى في سوريا، وربما تضررت مصالحه بسبب تدفق اللاجئين السوريين.
ولا ننسى هنا ذلك البعد المتعلق بحركة غولن التي لها أنصار كثر، وهم هنا من المصوتين التقليديين لحزب العدالة والتنمية، فيما أصبحوا هذه المرة ضده، وبشكل شرس، ويبدو أنهم صوتوا لحزب الشعوب الديمقراطي من أجل دفعه نحو تجاوز نسبة الحسم، وحرمان العدالة والتنمية من الغالبية، وهذا ما يفسِّر حصة الحزب التي تجاوزت حتى نسبة الأكراد من بين السكان.
ألا ينطوي هذا التحليل على إقرار بأن أردوغان قد أخطأ ونال جزاء أخطائه تراجعا في نسبة الأصوات التي حصل عليها حزبه؟ ربما، لكننا نذكّر أن نسبة أردوغان كانت أكبر في الانتخابات الرئاسية، أما الأهم فهو أن الجزء الأكبر من التراجع كان نتاج موقف صائب تمثل في مصالحة تاريخية مع الأكراد، فيما جاء الشق الثاني نتاج موقف مبدأي يتعلق بسوريا، وما تبقى هو نتاج صدام مع كيان يريد التحكم بالبلاد (كدولة عميقة) من دون أن يعرض نفسه على الناس كحزب سياسي.
الأخطاء التي يمكن الإقرار بها هي تلك المتعلقة بخطاب التحدي الدائم والاستفزاز الذي تميز به أردوغان في عاميه الأخيرين، لكن ذلك كان يجلب له في المقابل مزيدا من الإعجاب في أوساط أتراك آخرين، تسكنهم صورة السلطان القوي.
لن نخوض في مسألة اليوم التالي، فقد خاض فيها آخرون ولا زالوا يخوضون، وما يعنينا هو أن تركيا لم تغادر مربع العدالة والتنمية بعد، ولا زال بوسع الحزب أن يكون اللاعب الأكبر لسنوات طويلة مقبلة، بخاصة أنه سيتصرف على نحو أفضل بعد النتائج الأخيرة، وسيسعى لتجاوز بعض الأخطاء التي شابت حركته مؤخرا.
الدستور