إردوغان رجل التكتيكات المحنك يميل إلى انتخابات جديدة
13-06-2015 12:32 AM
عمون - دعوة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى الأحزاب المنافسة لتنحية المصالح الذاتية جانبا وتشكيل حكومة جديدة قد توحي بأن الزعيم المولع بالسجال قد فتح صفحة جديدة.. لكن حتى المقربين منه يتساءلون: إلى متى سيستمر ذلك النهج؟
فإردوغان -رجل التكتيكات المحنك الذي طالما ظهر بمظهر المهضوم حقه سياسيا- أصبح في موقف صعب بعد أن خسر حزب العدالة والتنمية الذي أسسه الأغلبية البرلمانية يوم الأحد مما أطاح بمطامحه لتعزيز سلطاته ولو في الوقت الحالي.
ويؤكد كبار مسؤولي الحزب بدءا من رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو على أن الحزب سيبذل كل جهد ممكن للعثور على شريك أصغر لتشكيل ائتلاف قبل التفكير في إجراء انتخابات جديدة. لكن الكثيرين يعبرون في أحاديثهم الخاصة عن اعتقادهم بأن الانتخابات المبكرة أفضل فرصة لإردوغان كي يستعيد حزبه أغلبيته.
وقال مسؤول كبير في حزب العدالة والتنمية يشارك في وضع استراتيجية الحزب لرويترز "يبعث إردوغان برسائل ناعمة في الوقت الحالي وسيفعل هذا لوقت أطول لكن سنرى إن كان هذا سيستمر."
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه لأن داود أوغلو طلب من المسؤولين عدم التحدث عن خيارات الائتلاف لوسائل الإعلام "إردوغان يريد أن يشعر الناس أن خيار الائتلاف لن يكون عمليا.. ستبذل بالفعل جهود لتشكيل حكومة مستقرة لكني لا أعتقد أنه سيمكن تحقيقها. أظن أن الانتخابات المبكرة تتصدر قائمة الاحتمالات في الوقت الحالي."
ويعيد المشهد إلى أذهان كثيرين في تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي ذكريات الائتلافات المضطربة المتغيرة والشخصيات المتناحرة في التسعينيات حين انهارت برامج الدعم المالي الدولي وغرق الاقتصاد في أزمة ومارس الجيش نفوذه.
واستمدت أسواق المال دفعة من تصريحات إردوغان التصالحية حين قال إنه ينبغي على كل الأحزاب العمل سريعا على تشكيل حكومة جديدة ودعا إلى تنحية المصالح الذاتية جانبا.
لكن العون لم يدم طويلا إذ فقدت الليرة جزءا من مكاسبها اليوم الجمعة.
وقال هوارد إيسنستات خبير الشؤون التركية بجامعة سانت لورانس في نيويورك "فترة من الحكم الضعيف لن تكون بالضرورة أمر سيء (لحزب العدالة والتنمية) خاصة إذا ظهروا في صورة العقلاء."
أضاف "من المرجح أن يتراجع الاقتصاد خلال الشهور القليلة المقبلة. ويمكن لحزب العدالة والتنمية أن يلقي الآن باللوم في التراجع إلى ‘انعدام الاستقرار‘ لا إلى سياساته."
وقد تصب الاضطرابات في جنوب شرق تركيا الذي يغلب على سكانه الأكراد في مصلحة إردوغان أيضا إذ ستتيح له اتباع نهج أكثر صرامة قد يلقى صدى جيدا لدى بعض القوميين.
ولا يزال حزب العدالة والتنمية أكبر حزب في تركيا لكن نسبة تأييده تراجعت من 49.8 في المئة إلى 41 في المئة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وخسر الحزب أصواتا ذهبت لحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد والذي دخل البرلمان للمرة الأولى ولصالح حزب الحركة القومية اليميني.
ومن المرجح في حالة الإعادة أن يجد الحزب صعوبة بالغة في استعادة الكثير من الأصوات الكردية لكنه قد يأمل في استعادة أصوات تحولت إلى حزب الحركة القومية وتأسف الآن لاحتمال تشكيل ائتلاف غير مستقر. وأشار استطلاع للرأي أجراه معهد إيبسوس بعد قليل من إعلان النتائج إلى أن حزب العدالة والتنمية كان سيحصل على نسبة أكبر بمقدار أربعة في المئة لو أن الناخبين أدركوا نتيجة الانتخابات سلفا.
وقال إحسان أكتاش رئيس مركز جينار لاستطلاعات الرأي والذي يعتبر قريبا من الحكومة "يفكر الجميع الآن في كيفية التوجه لانتخابات مبكرة بأقصى فائدة ممكنة."
وأضاف لرويترز "بالنسبة لحزب العدالة والتنمية فإن إبداء موقف شفاف واحترام إزاء الائتلافات في هذه المرحلة أمر سيلاحظه الناخبون وسيساعد في زيادة أصواته."
* المسرح السياسي
بعد أن يؤدي البرلمان اليمين الدستورية هذا الشهر يتوقع أن يكلف إردوغان رسميا حزب العدالة والتنمية بمحاولة تشكيل حكومة. فإن لم يتسن تشكيل حكومة فاعلة بعد 45 يوما فمن سلطة الرئيس الدعوة إلى انتخابات جديدة.
وتركز الأحزاب الكبيرة في تركيا على الانتخابات المبكرة لذا لا تهتم بإبرام اتفاق مما يعني أن مفاوضات تشكيل ائتلاف قد تمتد ربما لشهور.
وقال عضو كبير في حزب الشعب الجمهوري العلماني ثاني أكبر حزب في البرلمان "لن نكون نحن من يغلق الباب." وأضاف أنه لا يمكن استبعاد الدخول في ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية.
ويعني هذا رأب صدع أيديولوجي إذ ينظر أنصار حزب العدالة والتنمية المتدينون إلى حزب الشعب الجمهوري على أنه معقل النخبة العلمانية في تركيا.
وفي لفتة تصالحية واضحة عقد إردوغان أول اجتماعاته السياسية بعد الانتخابات مع الرئيس السابق لحزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال. كما تفادى عقد الاجتماع في قصره المهيب الجديد المثير للجدل مفضلا مقرا أكثر تواضعا في أنقرة.
وقال فادي حكورة الخبير في الشأن التركي بمعهد تشاتام هاوس ومقره بريطانيا "يرغب إردوغان أن تنظر الجموع إليه كرئيس يعمل خارج الإطار السياسي.. لكنه في الواقع شريك رئيسي في الملحمة الجارية."
وتابع لرويترز "شارك بقوة في الحملة الانتخابية وانحاز إلى الحزب الحاكم لدرجة أنه سيكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يتصرف كرئيس محايد غير حزبي."
ويختار إردوغان كلماته بعناية حتى الآن ويستميت الحزب الحاكم لإبداء عزم قوي. وأشار بولنت أرينتش نائب رئيس الوزراء إلى إمكانية إعادة قضايا فساد ضد أربعة وزراء سابقين إلى البرلمان وهو مطلب مهم للمعارضة.
وربما كانت انتخابات يوم الأحد تهذيبا لريش حزب العدالة والتنمية لكن إيسنستات قال إن الحزب فاز بنصيب الأسد من الأصوات ويحتل مكانة جيدة في السياسة التركية لأنه يمثل حزب يمين الوسط في بلد ينتمي ليمين الوسط في الأساس.
لكن هناك قلة تتكهن بأفول نجم حزب أو نجم إردوغان.
ولا يزال إردوغان السياسي الأكثر شعبية على الإطلاق في تركيا ولا يوجد له منافسون حقيقون في أحزاب المعارضة. ونهض إردوغان من كبوات سابقة منها سجنه لعدة شهور على يد ائتلاف يقوده العلمانيون عام 1999 بعد أن ألقى قصيدة اعتبرت مناهضة للعلمانية.
وقال إيسنستات "كانت الانتخابات تعنيفا لطموح إردوغان وأهوائه... لكنه مازال سياسيا حاذقا للغاية يحظى بقاعدة دعم قوية. إنه يملك سلطة رئاسة واسعة وبيروقراطية يهيمن عليها حزب العدالة والتنمية.
"تلقى حزب العدالة والتنمية لطمة يستحقها.. لكن عندما يهدأ الغبار سيظل في موقع جيد يتيح له الهيمنة على السياسة التركية لسنوات".(رويترز)