نيران داعش والطوق العربي والدولي المطلوب
د.حسام العتوم
11-06-2015 01:20 PM
السلفية الوهابية حركة إسلامية قامت في الأصل – كما يقول التاريخ – في منطقة (نجد) وسط جزيرة العرب أواخر القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) على يد محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود بهدف نشر الدعوة السلفية، وأما الجهاد فإنه انطلق آنذاك من منطقة (الدرعية) على شكل غزوات سالبة للمال والأرواح وتم تصنيف حروبهم بأنها خرجت على أصول الخلافة الإسلامية في إطار الحكم العثماني، واعتبرتها الوهابية في المقابل سيفاً في وجه الشرك مما حدى بعلماء السنة بتوجيه تهمة الخوارج التي نزلت في نصوص الكتاب والسنة في حق الكفار والمشركين وسحبها على المسلمين أنفسهم، وجاءت الدعوة الوهابية بالمنهج السلفي تنقية لعقائد المسلمين حسب اعتقاده من العادات والممارسات التعبدية التي انتشرت في بلاد الإسلام مثل التوسل والتبرك بالقبور والأولياء، والبدع، وهي دعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والالتزام بنصوص القرآن الكريم والسنة مباشرة دون الاعتماد على أي من المذاهب الفقهية السنية الأربعة، ومنذ انقسام الوهابية على نفسها وابتعاد عن أصلها وانشطار الجناح السلبي الخبيث عن الإيجابي الحميد بدأت خلاياها تنتشر وسط العالم الإسلامي راكبة موجة الحرب الباردة بين العرب والشرق ومكونة تنظيم القاعدة المعروف بجنوحه صوب الإرهاب وإيصال الرسائل لدول العالم عبر ممارسة قتل الأبرياء من ناسهم، وتمثلت خطوته الأولى بإخراج السوفييت قسراً من أفغانستان 1979.
و كتب عبدالباري عطوان في كتابه (القاعدة – التنظيم السري، ص15) قائلاً: "ما يميّز تنظيم (القاعدة) عن غيره من التنظيمات الأخرى، هو قدرته على المفاجأة، وتطوير نفسه من خلال التوسع، وإنشاء فروع جديدة في مناطق عديدة من العالمين الإسلامي والغربي، وهذا ما يفسّر فشل محاولات استئصاله أو القضاء عليه رغم الجهود والأموال الضخمة وتعدد الجهات الاستخبارية العالمية المتحالفة من أجل تحقيق هذا الهدف"، وفي (ص355) منه كتب عطوان قائلاً: "في أيلول سبتمبر 2007 حذرت إحدى المؤسسات الأمنية الهامة في العالم، وهي المؤسسة العالمية للدراسات الاستراتيجية (IISS) من أن جوهر القاعدة لا يزال قادراً على التأقلم والمرونة، واستنتجت أن (التهديد الناجم عن الإرهاب الإسلاموي... يبدو أنه متجه نحو الأسوأ"، ومن هنا وبالارتكاز على ما سبق ذكره نستنتج ونشتم مبكراً رائحة ميلاد نبتتين سيئتين عنه هما تنظيم (النصرة) وعصابات (داعش) تحت غطاء العودة للخلافة الإسلامية وتسجيل ممارسات مجرمة ضد الإنسانية والحضارة، وبدأنا نلاحظ اسوداد غيوم الربيع العربي 2011 الذي بدأ إصلاحياً وتلون بالقتل والدم والتشريد وتدمير الآثار والتاريخ، وتراجع لضوء (القاعدة) أم الإرهاب، وانفصال (النصرة) عنهما أو ادعاء ذلك، وتفشي خطر (داعش) وسط بلاد العرب في العراق أولاً ثم في سوريا وليبيا وفلسطين (غزة)، وبعد ذلك في اليمن تحت المظلة الحوثية، وفي السعودية أيضاً لاحقاً وسط تفجير مسجدين حتى الساعة حيث الانتشار الشيعي شرقاً، وتزعُّم أهوج لعالم السنة وسط المسلمين، وامتهان رخيص للقتل والحرق والتدمير والانتحار والتخريب، وتكرار بذيء لصفة الخوارج التاريخية المشؤومة واستهداف مبرمج للدول العربية المنهارة جيوشها وأنظمتها، ومحاولات مكشوفة من جانبه لاختراق الدول الآمنة والمتماسكة، وتهديد واضح بعيد المدى لأمن العالم، وتراجع ملموس لشعبية عصاباته ومرتزقته التي حصدتها بواسطة غسل الأدمغة تحت مظلة الطابع الديني المغموس بالمال السياسي.
وإذ نعود من جديد لعناصر القوة والضعف المتوفرة لدى عصابات (الخلافة الداعشية) نجد بأن قوته تكمن في ارتكازه أولاً على الدعاية المخادعة لتحديد رسالة الإسلام والعودة بها إلى أصلها بينما ممارساته على الأرض نازية ومشوهة للإسلام الحنيف الأصيل المعتدل المرتكز على القرآن الكريم والسنة والمذاهب الحنفية الأربعة، وثانياً التوجه لاستهداف الأنظمة السياسية العربية ذات الطابع الجمهوري التي سرعان ما انهارت أمام أولى عواصف الربيع العربي الإصلاحي المناهض للفساد بكافة ألوان طيفه وغياب العدالة وسطها، وثالثاً العزف على قضايا مجتمعاتنا العربية والتي في مقدمتها الفقر والبطالة والانحرافات والتي على رأسها المخدرات القاتلة والاتجار بها، ورابعاً الاستفادة من تحرير السجون من قاطنيها وغسل أدمغة المنتسبين إليهم بالطابع الديني المزوّر وتحويلهم إلى مرتزقة بطبيعة الحال، وخامساً السيطرة على مكامن البترول والغاز والآثار الثمينة التاريخية وبيعها بأسعار رخيصة، وسادساً التعاون مع الاستخبار الدولي ومنه الإسرائيلي (الموساد)، ومع الدول ذات المصالح المتعارضة مع العرب مثل تركيا وعدم استهدافها، وتفسير بسيط لرمز تنظيم (Israeli Secret Intelligence) (ISIS) يوضح لنا ذلك، وهدف تركي اوضح لتمزيق إمكانية قيام الدول الكردية على أرض تركيا نفسها وفي العراق وسوريا على شكل مثلث جيوسياسي مستقبلي ومحاولات مستمرة لاختراق استقرار الدول الصلبة أمنياً، بحكم انتشار الطابع الديني فيها أيضاً.
وعصابات داعش الإرهابي الذي تشكل من حثالات ومرتزقة العالم وجنسياته المختلفة استهدفت بشكل مبكر مدناً عربية رئيسة مثل (الموصل) في العراق، و(الرقة) في سوريا، و(سرت) في ليبيا، وحولتها لعواصم مؤقتة لها ومنصات انطلاق وهي تهدد أمن دول عربية أخرى مثل الجزائر والمغرب والكويت وغيرها، وترمي للوصول إلى عواصم عربية ماثلة مثل بغداد ودمشق وطرابلس وأبعد؛ كتب نبال خماش في كتابه (إمبراطورية الأكاذيب، ص17) قائلاً: "بأن النظام العراقي حسب وثيقة أمريكية رسمية وتبعاً لتقارير مخابراتية: أمريكية بريطانية بأنه على ارتباط تنظيم (القاعدة) وعلى هذا الأساس وبسبب امتلاكه أسلحة دمار شامل تجب محاربته وإسقاطه، وهذا ما تم فعلاً في عملية الغزو التي فعلاً في عملي الغزو التي اطلق عليها (الحربية للعراق) عام 2003، والآن وبعد مرور 12 عاماً على اجتياح العراق من قبل (الناتو) بقيادة أمريكا وحل جيشه وهدم نظامه نلحظ تعاوناً بين قيادات عسكرية عراقية و(داعش) الأمر الذي جعل موضوع حسم المعركة الميدانية معه من قبل الميليشيات (جماعة السيستاني، فيلق بدر، عصائب الخزعلي، فيلق القدس الإيراني) التي تكون الجيش العراقي الجديد سراب في سراب، وفي المقابل فإن الجيش السوري المسلح تسليحاً ثقيلاً ورفيعاً أنهكه الإرهاب وحوله إلى خندق الدفاع بعد الوصول إلى قلب العاصمة دمشق وبدا متعباً ويفتقر للمهنية والعمل والقتال الميداني المحترف رغم استفادته من طول فترة الحرب على بلاده منذ عام 2011 بسبب تقديم الأمن على السياسة، وهو الذي جُهّز ليوم ملاقاة أي عدوان إسرائيلي محتمل قادم، فنرى كيف أن إسرائيل ارتاحت وتنفست الصعداء الآن بانتهاء مفعول جيوش العراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن وعينها على سلاح حزب الله، والعين الأخرى على الاتفاق النووي السلمي الأمريكي – الإيراني المانع لظهور أي طابع عسكري عليه، وتتعامل مع القضية الفلسطينية العالقة من دون حلول مقنعة وعادلة وبلا دولة كاملة السيادة والديمغرافيا وخالية مستوطناتها من ساكنيها اليهود وسجونها من العرب مع ضمان حق العودة والتعويض بدم بارد وتعالٍ.
و(داعش) المشكل نسيجه من عصابات المال الأسود والحقد على البشرية يطمح لبناء جغرافيا الخرافة الإسلاموية بهيئة (دولة) متخصصة بالإجرام، وتشابه بين بدايات حراكه المتشعب وعصابات الهاغاناه وشتيرن المكلفين من قبل مؤتمر بازل الصهيوني 1897 بقيادة هرتزل بالشروع ببناء (دولة) إسرائيل التي بنت حولها جداراً من أراضي العرب في الجولان السورية ومزارع وتلال شبعا اللبنانية، وآخر في داخلها وأراضي فلسطين من الاسمنت، وثالث من معاهدات سلام جزئية مع بعض العرب، وهي أي (داعش) التكفيرية وبكباتها بالزي الرمادي الموحد وبالأعلام السوداء لا تخيفنا هنا في الأردن، فلدينا جيش عربي أردني باسل قوي ومتماسك وجهاز أمني منيع، ووعي جماهيري واسع، وشعب متعلم ومثقف، وقيادة هاشمية حكيمة، والله معنا، وعيوننا على اقتصادنا الوطني كي يتعافى، ويحدونا التفاؤل والأمل بوجود وظهور مشاريع استثمارية عملاقة مثل (الديسي للمياه)، و(النووي) للطاقة السلمية الكهربائية بالتعاون مع روسيا، و(العقبة الاستثمارية) التنموية وبعمق عربي جيد، وهي مجتمعة تكلفتها تصل إلى العديد من المليارات بالدينار، وفي المقابل لو سجل العرب وقفة واحدة مع الأردن وأميره المحبوب صاحب السمو الملكي علي بن الحسين في انتخابات (الفيفا) لكرة القدم الدولية لاقتربنا نحن العرب من الوحدة ومن النصر مسافات أقوى، ولكسبنا احترام العالم لنا ولكن هيهات!
وهكذا نلحظ كيف أن المشهد العربي منقسم على نفسه سياسياً واقتصادياً ورياضياً مع وجود مشروع وحدوي عربي عسكري يلوح قوس قزحه في الأفق من شأنه أن يحقق نجاحات سريعة بهدف تطويق الإرهاب الذي أصبحت عصابات (داعش) تقوده نيابة عن (القاعدة) المصدر الذي انتشر على شكل خلايا نائمة ومتحركة واندمج مع كافة منابع التطرف على اختلاف تسمياتها، ويقابل هذه المعادلة الحاجة لدعوة دول العالم للتكاتف والتأسيس لجبهة واحدة وحلف دولي واحد من أجل العمل باستمرار لاستئصال هذا النبت الطائفي والعنصري الفاسد أينما وجد ومنع انتشاره وترحيله عبر الحدود والقارات، وسؤالي العريض هنا أوجهه للأقطاب الدولية التي تمتلك مصالح متشابكة منسجمة وغير منسجمة مع العرب والتي هي بالدرجة الأولى اقتصادية ومنها العسكرتارية، وهو لماذا لا تهبطون على الأرض وتتكاتفون بعيداً عن أوراق الحرب الباردة العالمية، لكي يتم إسدال الستارة عن وجه الإرهاب المسيء إلى الأبد وحتى تتفرع البشرية للتنمية الشاملة خدمة للإنسان؟
وهنا أدعو لاستثمار التقارب الروسي الأمريكي الذي حدث في مدينة سوتشي الروسية البحرية مؤخراً بين وزيري خارجيتها سيرجر لافروف وجون كيري بحضور الرئيس بوتين 12/أيار الماضي والمرتقب أن يرتقي إلى لقاء رئاسي قادم من أجل وضع حد نهائي والبحث بجدية لا تتعارض فيها المصالح الشرق أوسطية الجيواستراتيجية والعسكرية بينهما، وتفعيل توصيات مؤتمر جنيف (1) و(2) وحوارات موسكو مع المعارضة الوطنية السورية والاتفاق على مطاردة التطرف والإرهاب الذي تتقدمه (داعش) وسط البلاد العربية بالتعاون مع إيران وتركيا والصين وفرنسا وكل الدول الراغبة في الانخراط في هذا المجال الأكثر من هام والخادم للسلم والأمن العالميين وللتنمية أيضاً، وفي الوضع المقابل يندهش البعض من الإعلام المخادع لداعش عبر مجلة (دابق) وغيرها، ومن التحاق قادة أمينيين به من مختلف دول العالم ومنهم مدير درك (Amon)، طاجكيستان خاليموف وفي الختام نؤكد ونكرر دعاءنا لكي يحمي الله أردننا ومليكنا وسيدنا المفدى عبدالله الثاني بن الحسين.