الراية والمُلك وعلامات المنعة والحرب
د.مهند مبيضين
11-06-2015 03:27 AM
أعاد مشهد رفع راية الشريف الحسين بن علي وقبلة الشريف محمد أبي نمي الثاني رحمهما الله، الكثير من الجدل والكلام، والمشهد كان كافيا لبعث الرسائل اللازمة، وجود قاضي قضاة الشرع، ومفتي القوات المسلحة، في إشارة إلى أهمية الإسلام في حاضر الدولة وفي ثكنات الجند، وفي السياق تقرأ الآيات التي تلاها كل من قاضي قضاة الشرع ومفتي الجيش في دلالة الاختيار والتوظيف والتفسير، ومع هذه الأمور يقرأ المكان حيث جامع الحسين الباني ومقر إدارة المُلك. ثم ظهور ولي العهد دلالة على استمرارية الحكم، فبين ولي العهد الأمير حسين والشريف محمد ابي نمي الثاني قرون من الزمن، لكن بين الملك عبد الله الثاني وجده الأكبر الحسين بن علي سلالة حاضرة فينا تستمر وتمضي في الحضور والتـأثير، وفي تسليم الملك عبد الله الثاني الراية لمستشارة رئيس هيئة الأركان صلة مع زمن رفعها في الثورة العربية قبل نحو مائة عام ودلالة مباشرة على دور الهاشميين في رفع شأن العروبة والدفاع عنها واستمرار هذا الحضور راهناً.
تاريخياً، ارتبطت الراية التي اعيد رفعها وتسجيلها بسيدين عظيمين من سادة آل البيت، الشريف حسين والكل يعرف تضحياته وحجم خسارته من أجل الأمة وتحريرها، وهذا معلوم ولا ينكره إلا جاحد، والشخصية الثانية وهي أول من رفع الراية هي شخصية الشريف محمد أبي نُـمَـي الثاني بن بركات بن محمد بن بركات بن حسن بن عجلان بن رميثة بن محمد أبي نُـمَـي الأول المتصل نسباً بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وهذا السيد الهاشمي حكم مكة أكثر من (60) عاماُ، ومدة ولايته لشرافتها مشاركة واستقلاًلاً (73) عاماً. ولد في مكة بتاريخ 9/11/ 911هـ/3/4/1507م، وما زالت أوقافة الخيرية لليوم توزع في مكة ولها مواقع متعددة، وكان تاريخ الوقف عام 992هـ في أواخر مدة حياته ، وجعله قربة يبتغي به ما يبتغيه الواقفون من أوقافهم من الأجر والمثوبة، وانتقلت إدارة الوقف إلى الملك فيصل بن عبد العزيز عام 1370هـ/1951م ومن ثم انتقل لمن جاء بعده من ملوك السعودية وقد دخلت الاملاك القديمة في عمارة الحرم، ثم استبدلت بتعويض تم من خلاله شراء مجموعة من المباني تنفق استثماراتها اليوم على وجوه الخير وبخاصة الفقراء.
نعود للراية والتوقيت والرسالة التي تقرأ فيرفعها مجددا، مع ما يمكن تفسيره من توظيف لدلالة قلب الشماغ، فعملية قلب الشماغ ووضعه أسفل الذقن شكَّلَت تقليداً استخدمه الناس عند طلب «الثأر». أما في حالة «الدخيل» وطلب الأمان، فكان يوضع (الشماغ) حول رقبة المستجار به «اي المدخول عليه» وأجاز بعض الفقهاء قلب الشماغ عن صلاة الاستسقاء كدلالة على تغيير الحال وطلب الفرج. وظهرت أيضا عربة عسكرية قديمة للتذكير بعراقة الجيش واتصالة بالثورة العربية التي تكاد تنهي قرنا من الزمان.
في كل الإشارات التي أظهرتها عملية رفع راية الشريف محمد أبي نمي الثاني والشريف الحسين بن علي رسالة للجميع،منها ما يشير للُملك المستقر والسلالة الوارثة لواجب الدفاع عن الأمة، ورسالة لقوى الظلام والتكفير التي ترفع راية سوداء مكتوباً عليها عبارة التوحيد، وظهور الجند والطبول بكثافة تفاصيل مشهد التسليم إشارة للمنعة والقوة.
يقول ابن خلدون في مقدمته في فصل « شارات الملك و السلطان»:فمن شارات الُملك اتخاذ الآلة من نشر الألوية والرايات و قرع الطبول و النفخ في الأبواق و قد ذكر أرسطو في الكتاب المنسوب إليه في السياسة أن السر في ذلك إرهاب العدو في الحرب فإن الأصوات الهائلة لها تأثير في النفوس بالروعة، و أما الحق في ذلك فهو أن النفس عند سماع النغم و الأصوات يدركها الفرح و الطرب بلا شك فتصيب مزاج الروح نشوة يستسهل بها الصعب و يستميت في ذلك الوجه الذي هو فيه...فأما الرايات فإنها شعار الحروب من عهد الخليقة و لم تزل الأمم تعقدها في مواطن الحروب و الغزوات لعهد النبي صلى الله عليه و سلم..».
الدستور